جاري التحميل الآن
×

قبر للأحياء بقلم المحامي عبدالله الحموي

قبر للأحياء بقلم المحامي عبدالله الحموي

قبر للأحياء l المحامي عبدالله الحموي

النسيان مجرد وهم، رغم يقين البعض بأن مفردة “إنسان” مشتقة من هذه الكلمة. ففي الوقت الذي يستحضر فيه الشغف ذكرياتنا الجميلة، تنفر نظرتنا تجاه المُرة منها.
لا مفر للإنسان خلال مرحلة النضج من تعرضه لوابل من الخيبات تحرضه لإعادة النهوض وتعينه على تنمية قدرة تحمل المشاق. نحن لا ننسى، لكن تقدم السن يرافقه زيادة في الوعي يوسع أفاق نظرتنا للحياة, فيقلل من شحذ الذاكرة في استذكار ما هو مؤلم. إذ تشغل حياتنا حينها تفاصيل تحجب سابقة لها بشكل جزئي أو كلي، فتضفي على تقييمنا للماضي طابع العقلانية والحيادية بحيث يكرر اللسان عبارات الحمد كلما وقفنا على حكمة الخالق حيال أحداث مضت فتبين لنا لاحقا خيرا فيها كان مخفيا عن بصيرتنا.

ما اشبه الحياة بسباق “رالي” في تخللها لمحطات تحوي كل واحدة منها ثمرة تنتظر منا القطاف، حتى إذا فاتتنا محطة يصبح من الحكمة التجاوز عنها ومتابعة السباق ببساطة سعيا لجني ثمار أخرى في محطات تالية كي لا نُنَصِب الماضي علينا عبئا يُفَوِت خير المستقبل.

تمر علينا أيام نستذكر من خلالها ما كنا نظنه في يوم ما “صدمة”، فيستحضر الذهن مقولة “الخيرة فيما اختاره الله”، ثم تلهج ألسنتنا بالآية الكريمة {{ عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئأ وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}}.

لذا يبقى من الأسلم للإنسان أن يقوي علاقته مع رب العزة وسؤاله (جل وعلا) أن يختار لنا الخير ولو كان لا يوافق هوى متبع ,متابعين مسيرتنا في حياة تحوي من الخيرات ما يفيض عن حاجات أيادي القطاف. وهو أمر يشق على أفراد جعلوا من الماضي مبلغ همهم وشغلهم الشاغل حتى شغلهم الأخير عن التطلع نحو المستقبل. وحين نحقق النجاح تلو الآخر سواء على الصعيد المهني أو الإجتماعي، لن نكلف أنفسنا عناء الإنشغال بالماضي حتى الجميل منه حيث يصبح الأخير حينها مجرد مادة لاستقاء العبر .

النسيان حاجة وليس خيار ومن الخطأ المميت أن نجعله كذلك.فلا حق لإنسان خلقه الله ليعمر الأرض أن يحبس نفسه وراء قضبان الماضي أو أن يحفر معول ذكرياته قبرا للأحياء.

fb_img_17299698959843598622470807086783 قبر للأحياء بقلم المحامي عبدالله الحموي
الشاعر المحامي عبد الله الحموي

Share this content: