صيدا لن تنسى ذكرى تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي
على الرغم من التجاهل الرسمي، وانشغال قوى السلطة بنزاعاتها حول الحصص والمواقع، فان صيدا وفاعلياتها الشعبية لم تنس تاريخ السادس عشر من شباط ١٩٨٥، يوم اجبر العدو الإسرائيلي على الانسحاب من صيدا ومناطق واسعة من الجنوب، قبل استكمال انسحابها عام ٢٠٠٠.
فاضاء طلاب المدينة الشموع عند ساحة الشهداء، ووقف اهالي المدينة مساء السادس عشر من شباط عند ساحة الشهداء لاضاءة شعلة التحرير.
وقبل ذلك بيوم، اي مساء الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠٢٢، نظم “المنبر الديمقراطي” حلقة نقاش تحت عنوان”تحرير صيدا بعد ٣٧ عاما” تحدث فيها النائب د.اسامة سعد امام جمهور غفير من المواطنين والناشطين غصت بهم قاعة بلدية صيدا.
واهم ما قاله النائب سعد:”تحرر الشعوب أرضها لإرساء قواعد العدل والحرية والكرامة الانسانية، لا لتسليم البلد للصوص وفاسدين”.وتضمنت مداخلته سردا لاهم الحوادث التي شهدتها المنطقة وتفاعلت معها المدينة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة عام ١٩٦٥ ولغاية العام ٢٠٠٠.
واشار سعد الى أن الانسحاب سبقته سلسلة من المجازر، ارتكبتها قوات الاحتلال منها مجزرة صبرا وشاتيلا، ومجزرة الزرارية، وغيرها. وترافق ذلك مع اثارة الصدامات الأهلية في جبل لبنان وشرق صيدا.
وعدّد سعد مجموعة أحداث شكلت خلفية تاريخية لانجاز التحرير. ومن هذه الاحداث التي لا زالت ترافقنا الى اليوم: انطلاقة حركة فتح والمقاومة الفلسطينية، الى حرب حزيران 67 والهزيمة العربية، الى هجوم العدو الاسرائيلي على مطار بيروت في العام ١٩٦٨، وحرب الاستنزاف المصرية، الى اتفاق القاهرة، الى مجازر ايلول الأسود ١٩٧٠ بين الجيش الاردني والفلسطينيين، الى اغتيال الزعيم الشعبي معروف سعد عام ١٩٧٥ ، وحادثة بوسطة عين الرمانة والاجتياح الاسرائيلي وصولا إلى الليطاني في العام ١٩٧٨ ،الى توقيع اتفاقية “كامب دايفيد”، الى ٦ حزيران ١٩٨٢ تاريخ الاجتياح الاسرائيلي للبنان، مشيراً إلى مقاومة صيدا وسواها، واطلاق جبهة المقاومة الوطنية في ١٦ ايلول ١٩٨٢، الى مجازر صبرا وشاتيلا، واتفاق ١٧ ايار، الى تفجير منزل مصطفى سعد واحداث شرق صيدا ، الى حرب المخيمات، الى اتفاق الطائف وغيرها من المحطات.
وراى أن كل هذه الأحداث والمحطات تراكمت حولها الخبرات، واستخلصنا منها الدروس والعبر، وكان فيها رجال قدموا ما يقدرون عليه من تضحيات.
وراى سعد ان النضال الوطني مترابط الحلقات ولا يستطيع أحد أن يدعي أن البدايات والنهايات من عنده، ان ذلك افتراء على التاريخ ومصادرة للمستقبل.
ولفت سعد الى أن عمليات المقاومة الوطنية تراجعت بعد دخول الجيش اللبناني الى صيدا، وبعدها توقفت لأسباب موضوعية وذاتية. أما عمليات المقاومة الاسلامية فتواصلت، وتمكنت من طرد الاحتلال من معظم الأراضي اللبنانية في ٢٥ أيار ٢٠٠٠.
كما لفت الى أن المقاومة الاسلامية توفرت لها من ايران قدرات كبيرة ، وتنضوي هذه المقاومة في محور تقوده الجمهورية الايرانية، ولهذا المحور أهداف وأدوار في المجال العربي والاقليمي والدولي.
وطرح سعد عدة تساؤلات تطرح عادة في لبنان:
- هل بمقدور لبنان تحمل تبعات هذه الأدوار وارتدادتها؟
هو سؤال يكشف حجم الانقسام اللبناني حول دور هذا المحور والمقاومة الاسلامية. هذه القضية من قضايا عديدة شديدة الارتباط بالأزمات الطاحنة التي نعيشها في لبنان ، والقضية تثير تساؤلات وتفرض أولويات. - هل تحرير الأرض من الاحتلال يحتاج لتوافقات؟
بالتأكيد لا، والقضية هي قضية أمن وطني وكرامة وطنية. - هل تكتسب المقاومة مشروعيتها عندما تغيب الدولة ومؤسساتها عن أدوارها في التحرير ؟
بالتأكيد نعم. - هل ينتهي دور المقاومة مع استكمال التحرير ؟
نعم ولا بآن معا، والأمر مرتبط بقدرات الدولة على صد أي عدوان. والأمر يحتاج الى توافق وطني حول السياسية الدفاعية للدولة. - هل المقاومة كقضية تحرر وطني تختص بحدود أوطانها أو تتخطاها؟
بالمبدأ نعم، ولا يعني ذلك عدم التضامن مع الشعوب المناضلة من أجل حريتها وتحررها وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني. - الانتماء الديني والفئوي للمقاومة من نقاط ضعفها؟
بالتأكيد نعم، الوحدة الوطنية والسلم الأهلي من أولى الأولويات يتقدمان القضايا الأخرى جميعها. - هل المشهد السياسي والاستقطاب الطائفي يؤسسان لاستقرار ووحدة وطنية؟
بالتأكيد لا.
وأشار سعد الى الواقع العربي المأزوم ، والى مرض التطبيع من قبل أنظمة يضربها الاستبداد والديكتاتوريات. والشعوب العربية ثارت للمطالبة بالحرية والكرامة والدولة العصرية. واشار الى أن هذه الثورات لم تكتمل، وغادرت الناس الميادين، لكنها بقيت في آمال الاجيال الجديدة وتطلعاتها. واعتبر ان ثورة ١٧ تشرين في لبنان واحدة من انتفاضات الغضب العربي على الواقع المرير، تقاسمها جيلان: جيل انتظر جوائز التحرير بدولة عادلة فخابت آماله، وجيل الشباب الذي تملكه الغضب لاقصائه وتهميشه عن الحياة العامة، فانتفض مطالبا بالتغيير والدولة العصرية .وأكد سعد أن ١٧ تشرين لم تكتمل لكنها لم تمت.
وختم سعد معتبرا انه بعد ٣٧ عاما على التحرير بقيت صيدا، ككل الوطن تعاني من أزمات على مختلف الصعد. وأكد على أهمية ان تؤسس الأحداث والتجارب لحوار عام بات له ضرورة قصوى، يضع قواعد للمحاسبة ويفتح آفاق لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لافتا الى أن التحولات الكبرى في الاقليم والعالم متسارعة وعميقة، وان لبنان يجب ان يكون له دور في ذلك متسائلاً:
اين لبنان واين العرب من كل هذا؟ وأشار الى أن القضية قضية وجود وهوية ومصير وهي أدوار مطلوبة من الشباب والنساء والرجال.
وقد دفعت النقاط التي تحدث عنها سعد عدد من المشاركين إلى طرح اراء حول عدد من القضايا، فاشار المهندس إبراهيم حجازي الى عجزنا الاستفادة من عملية التحرير، والى غياب رؤية بناء دولة من اطراف السلطة الذين اتجهوا نحو المحاصصة. ولفت حجازي الى أهمية نقاش ماحصل في انتفاضة ١٧ تشرين.
وراى المناضل وائل القاضي أن حلم التحرير تحقق بالانسحاب، لكن كرامة المواطن سحقت بعد ذلك.
وأكد الناشط ادم ابو غزالة أن الهدف خلال فترة الاحتلال كان تحرير الأرض بدون الحديث عن السياسة وتقسم السلطة.
وربط النقابي صلاح معتوق أهمية علاقة التحرير بالتغيير، وأننا بحاجة الى تحديد وبناء آليات التغيير.
وسالت الصحفية نداء عودة النائب سعد عن العلاقات الصهيونية العربية وأثرها على لبنان ووحده.
اما المهندسة سهاد عفارة فقد أشارت الى قوة صيدا ضد الاحتلال تستند الى موقفها الموحد وعزيمة مناضليها، وأن قوى شعبية كانت تتابع عملية المطالبة بالحقوق حتى قبل ١٧ تشرين.
ووجه الناشط حسين القاضي التحية لكل الشهداء الذين سقطوا في سبيل التحرير، ووجه تحية للشيخ يوسف مسلماني الذي قضى قبل اشهر وكان من المقاومين الأساسيين في المدينة.
واجاب سعد على الأسئلة التي طرحت، ووافق على أهمية استكمال النقاش حول القضايا التي تناولها المشاركون.
وختم اللقاء الإعلامي وفيق الهواري الذي أشار إلى مساحة الحرية التي يؤمنها ” المنبر الديمقراطي” وأهمية مشاركة كل الوان الطيف الصيداوي في طرح وجهات نظرهم بمواضيع تهم المدينة.
Share this content: