مؤشرات خطيرة جداً في يوم البيئة العالمي!
سمير سكاف
رئيس جمعية غرين غلوب
العضو المراقب في الأمم المتحدة في البيئة
في سلسلة مستمرة من السنين الأكثر ارتفاعاً في الحرارة في التاريخ، يطل اليوم العالمي للبيئة وسط تراجع على محاور بيئية عدة أبرزها التراجع في مواجهة ظاهرة التغيير المناخي.
لم يعد الحياد الكربوني موضوعاً جدياً في العالم اليوم مع استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وبعد بحث أوروبا عن مصادر متنوعة للطاقة لتغطية العجز الطاقوي بسبب تخليها عن الغاز الروسي.
فالغاز الروسي كان مرتكزاً للأوروبيين لتخفيف تلوث الطاقة الأحفورية، وتجنب النفط والفحم الحجري، للسير باتجاه الطاقات البديلة، من طاقة شمسية وهوائية ومائية. ولكن فقدانه جعل عدداً من دول أوروبا الغربية تتراجع وتتحول باتجاه اعتماد أكبر على الفحم الحجري. أما الولايات المتحدة فما تزال تعتمد باقتصادها على النفط وعلى الطاقات الأحفورية بشكل أساسي.
من جهتهما، الصين والهند تسلكان طريقين متوازيين مع ارتفاع في انتاجهما للكهرباء على الطاقات المتجددة، كما على الفحم الحجري!
العودة أو عدم التخلي عن الطاقة النووية “الخطيرة” في أوروبا في انتاج الكهرباء تحولت في تطمينات “غريبة” الى “غير ملوثة” (!)، وبخاصة في فرنسا وألمانيا وبعض الدول الاسكندنافية.
آبار النفط والغاز تزدهر في العالم والتزامات اتفاق باريس 2015 لم يتمّ الوفاء بها. وليس هناك أي آلية ملزمة للحكومات والدول بذلك، لا لجهة تخفيض انتاج الغازات الدفيئة ولا لجهة التحول الى الطاقات المتجددة ولا لجهة دعم الدول النامية مالياً… أما القمم المناخية فأصبحت فولكلورية لا قيمة تنفيذية لها!
تلوث المياه بالإضافة الى تلوث الهواء والتربة، انخفاض المساحة الخضراء، التصحر، الجفاف (في العالم العربي، خاصة في العراق وسوريا بسبب السدود التركية وفي مصر بسبب سد النهضة)، وفقدان الهوية المعمارية وتراجع مستوى التنمية المستدامة… في ظل ارتفاع منسوب الحروب وغازاتها وسمومها وتدميرها للبيئة؛ من روسيا – أوكرانيا (التي قد تتوسع أوروبياً)، الى الحرب على غزة، الى الحرب في السودان الى احتمال حروب أخرى في لبنان واليمن والصين وتايوان وغيرها… كلها مؤشرات سلبية تقول إن الانسان يمر في “لحظة تخلٍ” عن البيئة في العالم.
وكما يقول المبدأ العلمي بالفرنسية: Rien ne se perd, tout se transforme. فإن ذلك يعني بالتالي أن إهمال العالم للبيئة سيؤدي الى معاقبة هذه البيئة للعالم!
وفي الموجز، فإن انتاج واستهلاك الطاقات الأحفورية ما يزال متفوقاً على الطاقات المتجددة، ووسائل النقل ما تزال بغالبيتها الساحقة تعتمد على هذه الطاقة الأحفورية. والتصحر وفقدان المساحات الخضراء والحرائق وقطع الأشجار في الغابات والمدن أسرع من حملات إعادة التحريج، وانتاج البلاستيك أقوى بكثير من عمليات التوعية وإعادة التدوير، ومعالجة النفايات تعتمد بمجملها على الحرق، وكثير من المناطق والدول تتحول الى مكبّات عملاقة، والزراعة والمياه تتعرضان لكثير من الملوثات الكيمائية، والنفايات الخطيرة تبقى بمعظمها من دون معالجة…
وإذا كان الفقر والجشع هما ألد أعداء البيئة، وأخطرهما عليها هو الجشع، فإن العالم بالتالي سيدفع الثمن غالياً جداً، سنة بعد سنة، في ظواهر مناخية خطيرة ومتطرفة مع اتجاه دائم لارتفاع مستمر في حرارة الأرض، باتجاه السقوط البيئي العامودي Free fall!
يدرك الجميع في الحكومات أنه لبلوغ “الكوكب الأخضر” ولحل معظم الكوارث البيئية يحتاج العالم للذهاب الى التنمية المستدامة، حيث يكون الانسان في صلب الاهتمام الاقتصادي مع عدالة اجتماعية واقتصاد دائري وحماية للبيئة وشفافية وحوكمة رشيدة! وللمحافظة على كوكبنا وبيتنا يحتاج العالم الى “استدامة”… الآن!
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.