مواطنون ، لا شركاء في وطن !
نبيل الزعبي
لعل من ابشع أوجه التكاذب التي يُطلَع بها علينا في المناسبات الوطنية وغير الوطنية ، تلك المقولة – الكذبة الفاقعة المسمّاة ” شركاء” في الوطن ، وكإن هذا ” الوطن ” بات شركة مساهمة لكل طرفٍ فيها اسهمه الخاصة الممثلة لمصالح غير معروف شرعيتها من عدمها ومدى مواءمتها للصالح العام وتعزيز البنيان المرصوص الذي يرتفع عليه سقفُ واحد لا سقفين ، كي لا يكون لكل “شريك” سقفه الخاص الذي يتظلل به ويحميه عندما يفك ” تلك الشراكة” الكاذبة مع من يسميه ” الشريك ” في الوطن .
فقط ، وفي لبنان الطوائف والمذاهب ، لا تسمع عبارة “الشريك ” في الوطن الا على السنة من يخفون وراء ظهورهم ” السكاكين ” القاطعة المسنونة دوماً امام اي خلاف او تصادم مع هذا الشريك ، لقطع الشراكة واحتفاظ كل طرف بما له من اسهمٍ في هذه الشراكة الكاذبة التي حولت الوطن إلى شركة مساهمة لا علاقة لها بالمواطنة ولا بالوطنية وبالتالي نادراً ما تشهد فيها اندفاعاً لتكريس امن وطني مستتب فيستبدل به بأمن اطراف “الشركاء”الخاص بهم على مدى عقود الاستقلال المزعوم ، وهذا لعمري مكمن الفساد والخراب الذي يعيشه البلد حتى اليوم في ظل تلك الكذبة الكبيرة: “الشريك” ” في الوطن .
فجأةً ، وفي أوج معمعة التكاذب المتبادَل ولأتفه الاسباب وأقلّها موضوعية ، تكتشف ان هناك “رياضتين”بدل رياضة واحدة عندما يتغلب فريق رياضي من طائفة معينة على آخر من طائفة اخرى أيضاً ،وتصاب بالذهول عندما يتحاشى فريق مناصري الخاسر التبريك للرابح ويتوجه بكل آيات التمجيد للخاسر متناسيا ان المسألة لا تتعدى الرياضة وحسب وان الروح الرياضية لا تصلح في مجتمع يعيش الطائفية في البرغل والرز ، كما كان احد فناني لبنان يكررها في لقاءاته ، ثم لينزل عليك خبر الطحين الفاسد كالصاعقة ، لا لشيئ سوى التعتيم على فساد صاحب المخابز الذي يُطعِم الناس خبزاً من طحينٍ مخزونً انتهت صلاحياته لزمن ليس بالقريب ،فتنطلق السنة الدفاع الاعمى عن صاحب الطحين الفاسد لتتوجه نحو أفران أخرى وترمي عليها غيضاً من الفائض الإعلامي الطائفي الموَجّه الذي يقوم على قاعدة ( احمِ ابن طائفتك ظالماً او مظلوماً )وهذا ما يعيدك في دورة الزمن إلى ما صرّح به يوماً نائبُ طائفي حتى النخاع عندما تساءل في شريط فيديو مسجل عن السبب الذي يجعل الحرائق تشتعل في مناطق الطائفة التي ينتمي اليها بينما لا يحدث ذلك في مناطق الطوائف الاخرى وكأن اراضي لبنان ليست متداخلة مع بعضها البتة والحريق إذا حصل ، له عيون لا يتوجه بها إلا إلى هذا الحيّز الجغرافي دون ذاك .
يزيدك ” قهراً” ان كل ما تقدم يحصل في مجتمع تتزايد فيه أعداد المتعلّمين من حَمَلَة الشهادات الجامعية وتتكاثر في نفس الوقت كل مسبّبات اللاانتماء للوطن الواحد بتفشّي الجهل الفاضح بمعاني الوطنية ، وماذا ننتظر بعد كل ذلك عندما يولد أطفالنا في مستشفى الطائفة ويدخلون حضانة الطائفة ويصعدون منها إلى مدرسة وثانوية وجامعة الطائفة على حساب كل ما وطني ، وحتى الجامعة اللبنانية تم ” تفرعتها ” إلى مناطق فتعرف هوية طلابها الطائفية والمذهبية من هذا الفرع وذاك ، في الوقت الذي تنمو الجامعات الخاصة كالفطر ليُحسَب على كل طائفة ومذهب ، واحدة منها وأكثر ومع ذلك نرتضي ” مختارين” إلى حين يتخرّج الاولاد والاحفاد فينتشروا في بلاد الله الواسعة فيكدُّون ويجهدون للحصول على جنسيتها ويعودون الينا في زياراتهم الموسمية مواطنين لبلادٍ اخرى ، منها المعادي ومنها المختلف عنا ثقافةً وحضارة ومفاهيم للقِيَم والشرف يتغذى عليها ابناؤهم منذ الصِغَر ونفرح وننتعش ولا ندري ان ما نشعر فيه من السعادة ليس سوى في لحس هذا ” المِبرَد” الناعم وتصفية ما تبقى فينا من دماءٍ تنزف بطيئاً في مجتمع تأقلم مع الخنوع والتجهيل بعد ان افتقد إلى من يمثله قدوةً ونيابة ، فلم يجد غير المتاجرين به ولا يتورّعون عن مقاسمته ، حتى في القليل القليل مما في صحنه اليومي ، فتكتمل مروحة الاستلاب في دواخلنا ونحن نردد: عاش التعايش في بلد التكاذب فنستمرئ الكِذبة ونصدقها دون اخراج انفسنا من لحظات الغفلة التي نعيشها ، وقد طالت .
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.