كتب الدكتور فوزي الفري:
٧ تشرين الثاني ٢٠٢٢
دعوني اعترف بخلاصة تجربتي والاسباب التي أفشلت الثورة من منظوري المسطح…
١. فشلت الثورة لانها لم تستطع انتاج نموذج مغاير بديل عن نموذج اهل السلطة.
٢. فشلت لانها لم تستطع وضع رؤية ومشروع واهداف ورسالة واليات كبديل عن مشروع اهل السلطة. بل أمعنت بتقليد ما هو موجود ليومنا هذا.
٣. فشلت الثورة لأنها بقيت كما انطلقت، عفوية، فوضوية فردية، وامتنعت عن التنظيم والتأطير والتفاعل. فدخلت في الخلافات على كل شيء وامتنعت عن الادارة الرشيدة والعمل الجماعي والالتزام بالقول والفعل.
٤. فشلت لانها لم تنتج افكاراً يتبناها الناس ليبنوا عليها… فذهبت الى المشهدية دون المضمون الهادف الواضح الشفاف.
٥. فشلت لانها استهدفت السلطة التنفيذية وحدها، ونسيت ان اسقاط السلطة لا يتم الا بمنعها من انتاج نفسها عبر اطرها الدستورية. فتركت لرئيس الجمهورية القدرة على تحدد الاستشارات النيابية، وسمحت لمجلس النواب اجرائها، فانتجوا حكومات عند اسقاط اي حكومة. والسبب الرئيسي يتمثل بامتناع الطوائف عن اسقاط رموزها، تحت مسمى الحفاظ على المقامات البالية.
٦. فشلت الثورة لانها لم تتجرأ على تسمية من حمى هذه الطبقة السياسية، من اجهزة امنية وعسكرية وقضائية، قاتلوا الشعب الثائر للمصلحة العامة، تحت شعار الحفاظ على الامن وحماية الاملاك العامة والخاصة.. وكأن حماية المصلحة العامة واملاكها لا تنتطلق من منع الطبقة السياسية من سرقتها. فإخترقوا الثورة والثوار واقحموا المأجورين فيها لتفخيخها من الداخل. فالبسوها ثوب العنف والارهاب والتطرف والعمالة لحجب الثقة عنها.
٧. فشلت الثورة لان المصارف قطعت التمويل الخاص عنها بحجز اموال المواطنين وحصرها بالسياسيين. فمنعت الناس من تمويلها من جيبهم الخاص والهتهم بتأمين لقمة العيش لعائلاتهم. وسمحت للطبقة السياسية الحصول على اموالهم واخراجها من البلد او تمويل الثورة المضادة واقتنع البعض ان الثورة هي السبب بالانهيار الاقتصادي وليس السلطة التي اوصلتنا اليه.
٨. فشلت الثورة لانها فقدت ثقة الشعب الذي تم تخويفه وتخيره بين تدمير البلد او القبول بحكم الطبقة السياسية الظالمة. فصدق الشعب مقولة اما نحن او ندمر البلد على رؤوس الجميع. فبدل الثبات والاصرار انكفؤوا في بيوتهم ينتظرون الموت البطيء وبداؤا بالتشكيك بالثورة والثوار وكأنهم اعداء الوطن وتناسوا كل إقترافات السلطة الفاسدة ونسبوا إنهيار البلدواقتصاده وقطاعاته للثورة.
٩. فشلت الثورة عندما تركت تجار الهيكل يحتكرون السلع ويرفعون الاسعار حتى باتت القيمة الشرائية لرواتب الموظفين والعمال ، فبدل ان ينتفض الشعب ضد السلطة، بدأ يخاف على ما تبقى من رواتبه وقيمتها الشرائية المتهالكة. فذهبت أغلبيته للمتاجرة بالدولار ويرفعون سعره على حساب المحتاجين ودخلهم الفردي.
١٠. فشلت الثورة بعدما تواطئ مصرف لبنان مع جمعية المصارف وحماهما القضاء التابع اللامستقل، ومنع عنهما الملاحقة بتهم سرقة المودعين وخرق قانون النقد والتسليف وتركهما يضعون القوانيين الذاتية الانتقائية دون حسيب او رقيب.
١١. فشلت الثورة لان اغلبية الشعب اللبناني فاسد بالفكر والممارسات اليومية دون ان يدري. حيث انطلق من اعتبار المعايير الفاسدة اسس يجب اتباعها، لا سيما وان جزء كبير منها مرتبط ارتباط عضوي بالطبقة السياسية الفاسدة، أكان بالارتباط الوظيفي في القطاع العام والخاص، او بالحماية، او بالتستر على السرقات التي انتهجها جزء كبير من هذا الشعب وخوفه من المحاسبة.
فشلت الثورة لان بعض قياداتها انتهجوا المداهنة والمسايرة للطبقة السياسية عند كل مرحلة مفصلية من تاريخ الثورة، وهرعوا زاحفين طمعاً بتحصيل المناصب من السلطة الفاسدة، وبداؤا بتقزيم القيادات الحكيمة المعارضة لسلوكهم وتهميشهم ونبذهم خوفاً من المنافسة.
١٢. فشلت هذه الثورة بسبب عدم انتاجها لاعلام مستقل بل اعتمدت على الاعلام المأجور لمن يدفع أكثر، والذي ساهم في بداية الثورة بتعظيمها ومن ثم حولها الى ثورة جوع كرتونة مطلبية يخيفك بعيداً عن التغيير المنشود.
١٣. فشلت الثورة لانها انقسمت حول مبادئ سيادة الدولة على كامل اراضيها، وعلى حصرية السلاح بيدها، وعلى سحب السلاح اللاشرعي من كل المليشيات بما فيها سلاح حزب الله. فدخلت الطوائف والمذاهب الثورة لحماية مكتسباتها على حساب المبادئ الاساسية، لاستعادة الدولة وقيامها وتحريرها من الهيمنة.
١٤. فشلت الثورة لانقسامها بين ثوار الارض وثوار الفنادق، كما حصل في كل ثورة في هذا العالم العربي المشؤوم. فبدأ التخوين من كل الاطراف، وبدل التكافل والتكامل، خرجت الرداءة في الخطاب والهمروجات المنظمة، مقابل الاستكبار والتزعم لاهرامات البلد الفكرية التقليدية، على طريقة الثورة لي، وانا افكر عنك، وبين الثورة لي لانني انا من ينفذها على الارض لصالح السلطة وتحقق مصالحها حتى ولو لم اعلم. فابتعدوا جميعهم عن الالتزام بمبادئ الثورة ومضمونها وتركوها لاهل السلطة للتلاعب بها، وانفصل الرأس والعقل عن الجسد.
١٥. فشلت الثورة بسبب دخول الاحزاب المعارضة الطائفية صورياً وتبنيها للثورة وشعاراتها، ومحاولين امتطاء موجاتها. وبثت سمومها المعتادة وزرعت الخوف والتفرقة بين ابناء الثورة من الطرائف والمذاهب المختلفة بحجة المحافظة على الامتيازات في السلطة وصونها، فخسرت الثورة اهم شعاراتها المتمثل “بكلن يعني كلن” وكأنهم لم يساهموا جميعهم بنهب البلد وافساده ومحاصصة ثرواته وانهياره بالتشارك مع الاخرين خلال كل المراحل السابقة.
خسرت الثورة نفسها لكون البعض من قياداتها المفترضين تناسوا ان عليهم الانطلاق من منطق ومنطوق عقل رجال الدولة وفكرها، ولادعائهم الفهم والعبقرية والالمام بكل شيء. واتقنوا لغة خشبية عاقرة لا تهتم الا بالشكل دون المضمون، وبحب الظهور ولو على جثة البلد، وبقتل والفكر الفكرة كرهاً وحسداً بصاحبها، فماتت الافكار والطروحات البناءة في ادراج المكاتب واللجان، وظهرت الجثث الفكرية التافهة في التجمعات الثورة، بانتظار الدفن في اقرب مقبرة…
عذراً على الاطالة.
فوزي فري.
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.