هيَ والقلَم ..
مَرَّةً، قالَ لِي قَلَمي، يصارِحُني:
آهِ ما أحلى حلاها، وما أبهى بَهاها!
فعرفتُ من فوري، كم كانَ يَهواها!
لم أُحِبَّ قلمي يومًا كما أحببتُهُ يومَ كتب حروفَ إسمِكِ الوضيئَةَ، وراح يُزَخرفُها يَهفو تيهًا منكِ إليكِ.
كتبَها وكَتب معها تاريخَ ميلادِهِ وتعمَّدَ بطهرِ نداوَتِها. فاختصَرَتْ طيوبُها حكايةَ المِسْكِ الأَريجِ، واختَزلتْ جنائِنُها الفسيحَةُ كلَّ القصائدِ ودواوينَ الشِّعرِ الجمِيلِ، وضَوَّعَتْ نسائِمُها اللُّغاتِ وتَعاقبَ الفصولِ وَسائرَ رواياتِ الحبِّ والدَّلال. قَبَّلَها وضَمَّها إليهِ، وراح يَشُمُّ عطرَها ويرسُمُها بالشّوقِ والذِّكرى وماءِ الوردِ وساءَلَ الياسمينَ ما لَها، لِتُحدِّثَ أخبارَها بأنَّ حَلاكِ أَوحى لَها. فأَحببتُهُ وأحببْتُ ذاكرتي وريشَتي، وأحبَبْتُ في يراعتي عذوبةَ البَوْحِ في كلماتِها. فكلُّ نُقطةٍ سالَتْ، نطقَتْ بنبْضِ القلبِ وَجْدًا، ونطفَتْ بالخفقِ شَهْدًا، وكانَتْ تَشِفُّ عن وَلَهٍ يُراودُهُ عن روحِهِ ويُسْفِرُ عن مكنونِهِ، وتُنْبِئُ كم باتَ يهواكِ، وتَرْوي بِشغفٍ كيفَ يَتملّاكِ.
فصارحتُهُ بأمرِهِ، وسألتُهُ كالعاشقينَ إنْ كانَ حقًّا يهواكِ!؟
- يا قلَمِي: هل أنتَ حقًّا تَهواها؟!
فأجابَني من وراءِ حِجابٍ، ولم ينظُرْ في عَيْنَيَّ كي لا أَفضحَ سرَّهُ المَخْبوءَ وأكتشِفَكِ في ستْرِ عَيْنَيْهِ. سكتَ برهةً وغَضَّ في وَجَلٍ طَرفًا من حياءٍ، فانْتَبَهَ الغرامُ من شرودِهِ، بعدَ أن غفلَ لسانُهُ عنهُ وسَها، وبعد أن أَخْرَسَ صمتَهُ، أَنْطَقَ لَعْثَمَتَهُ وقالَ وهو يدركُ في قرارَةِ نفسِهِ أنّ الحرفَ مسؤولٌ، ومن يكتُبْ مثقالَ حرفٍ يرَه، وأنّ زلزلةَ الحبِّ عاتيةٌ، وأنّ ساعتَها آتِيةٌ لا ريْبَ فِيها:
أما تراني أحيا بها؟! أُنْظُرْنِي كيف أَتَنَفَّسُها، أعِيشُ بِها ولَها، أستَظِلُّ بِحَنيني إليها. أنا لستُ أنا، أنَا انْصَهَرْتُ فيها، تعيشُ فيَّ، وما في كِياني إلا هِيَ: أنا هيَ. فابْحَثْ عنّي هناكَ حيثُ انْتَهَتْ روحِيَ المُستهامةُ وتعلّقَتْ، فتَلقانِي في أحضانِ حروفِها، أنا المُزَّمِّلُ بِها، أَتدثَّرُ دفءَ اسْمِها …
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا🌴
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.