في ظل التصاعد غير المسبوق للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه لبنان، توضح دراسة جديدة كيف يمكن لتأسيس منح اجتماعية لمختلف مراحل الحياة أن يضع حجر الأساس لعقد اجتماعي جديد مستدام عماده البشر.
بيروت 20 أيار،2021– – تتناول دراسة جديدة موجزة صادرة عن منظمة العمل الدولية واليونيسف إصلاح سياسات الحماية الاجتماعية التي تمكن لبنان من معالجة مختلف الأزمات التي يواجهها، وتحدد تكاليف تنفيذ هذه السياسات.
تركز الدراسة على خيارات مختلفة للمنح الاجتماعية الأساسية المرتبطة بدورة الحياة. ومنهجية تقديم الحماية الاجتماعية الشاملة طوال الحياة تعالج مختلف المخاطر وجوانب الضعف التي يواجهها الأفراد في مراحل حياتهم، وتصمم سياسات توفر حماية كافية ودخلاً مضموناً في كل مرحلة. وهي تختلف عن نهج الإغاثة في الحماية الاجتماعية الذي يستهدف أساساً الذين يعانون من فقر مدقع.
تطرح الدراسة قضية إنشاء منح اجتماعية توفر حماية كافية لدخل جميع الذين يتعرضون لحالات طارئة أثناء حياتهم – وبشكل أساسي، منحة أطفال ممولة من الضرائب، ومنحة إعاقة، ومعاش تقاعدي – بوصفها الأساس الذي يقوم عليه النظام الوطني للحماية الاجتماعية متعدد المستويات والقائم على الحقوق. واستناداً إلى بيانات أحدث مسح للقوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان، تقدم الورقة تقييماً لتغطية وتكلفة المنافع الأساسية لدورة الحياة مع تعديل معايير الأهلية ومستويات المنافع لتحقيق التوازن بين الأهداف طويلة الأجل لتحقيق التغطية الشاملة وبين الموارد المتاحة حالياً.
تم إعداد الورقة على خلفية التفاقم غير المسبوق للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يواجهها لبنان حالياً. فقد أدت الانهيارات الاقتصادية الكلية والمالية والنقدية إلى تباطؤ سريع في النشاط الاقتصادي، وارتفاع مستويات التضخم، وزيادة معدلات البطالة. وأدت التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 والأضرار التي خلفها انفجار مرفأ بيروت إلى تفاقم تحديات سوق العمل والتحديات الاجتماعية الموجودة قبلاً. وتسبب التأجيل المستمر للإصلاحات العاجلة في زيادة حدة الفقر وتفاقم اللامساواة. ويؤكد التقرير أن هذا يبرز الحاجة طويلة الأمد للاستثمار في نظام حماية اجتماعية يشمل الجميع ويغطي مختلف مراحل الحياة.
تقول ربا جرادات، مديرة المكتب الإقليمي للدول العربية في منظمة منظمة العمل الدولية: “تعتبر هذه الأزمة غير المسبوقة فرصة غير مسبوقة أيضاً لإعادة تصميم نظام حماية اجتماعية يشمل الجميع ويغطي مختلف مراحل الحياة في لبنان، يحمي ملايين الناس الذين عانوا نتيجة الأزمة ويضع الاستثمار في البشر أيضاً في صلب عقد اجتماعي جديد.
والنهج الذي يحمي الأسر المعيشية مؤقتاً فقط – أو يستهدف الفقراء المعدمين فقط – لن يكون نهجاً مستداماً إذا لم يعالج نقاط الضعف الهيكلية في نظام الحماية الاجتماعية. ما يحتاجه لبنان هو بناء أساسات صلبة لأرضية الحماية الاجتماعية”.
إن النظام اللبناني في تقديم السلع والخدمات العامة والحماية الاجتماعية مجزأ للغاية وغير منصف، ويعتمد على مساعدات المنظمات غير الحكومية الدولية واللبنانية. وفي ظل غياب شبه كامل لضمانات ممولة من الضرائب تضمن الدخل الأساسي للأشخاص الذين يواجهون مخاطر في مراحل الحياة من الطفولة الى عمر العمل وأثناء الشيخوخة، فإن عدداً كبيراً من الأشخاص في “النصف الضائع” يفتقرون إلى أي إمكانية للحصول على الحماية الاجتماعية.
طوال العقود الماضية، كان المصدر الرئيسي للحماية الاقتصادية في لبنان هو الدعم الشامل لأسعار المستوردات الرئيسية كالقمح والوقود والأدوية وعدد من المنتجات الأساسية – ومؤخراً من خلال الاحتياطي بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان المركزي. وتجري منذ آب/أغسطس 2020 محادثات بشأن الإلغاء الجزئي أو الكلي لهذا الدعم.
إن إلغاء الشكل الوحيد المتبقي من الدعم الاجتماعي الممول من الدولة سيؤدي إلى تدهور كبير في مستويات معيشة الفقراء والطبقة الوسطى، ما لم تطبق ضمانات حماية اجتماعية شاملة وكافية ودائمة.
ويقدر التقرير أن تحويل نحو ربع إلى ثلث الموارد المخصصة حالياً لدعم الأسعار إلى الحماية الاجتماعية سيكون كافياً لوضع أساس متين لأرضية الحماية الاجتماعية التي يحتاجها لبنان بشدة.
فمن الواضح أن لبنان اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى نظام وطني للمساعدة الاجتماعية.
تقول ممثلة اليونيسف في لبنان، يوكي موكو: “إذا لم تسد الثغرات بسرعة عبر برامج مساعدة اجتماعية قوية وطويلة الأجل، فسيظل هذا مجرد حلم. فبينما تواجه غالبية اللبنانيين الآن أوضاعاً صعبة جداً، فإن الذين يعانون من نقاط ضعف محددة – مثل تربية الأطفال أو العيش مع إعاقة – يُتركون ببساطة دون دعم”. وأضافت موكو: “لقد باتت الحاجة ملحة جداً إلى تنفيذ برامج سريعة لدعم هذه الفئات، خاصة وأن البلاد تتجه نحو إلغاء دعم الأسعار الذي يمكن أن يسبب ارتفاعاً كبيراً في أسعار جميع المواد تقريباً بين عشية وضحاها”.
وتؤكد الدراسة أن تدابير التعويض الفوري يجب أن تترافق مع خطط لبناء نظام حماية اجتماعية طويل الأجل متعدد المستويات، وأن تضع الأساس لأرضية الحماية الاجتماعية دائمة في لبنان. تعد برامج إعانات الدخل الشاملة والتشاركية – والقائمة على تغطية واسعة – أكثر الوسائل كفاءة وفعالية للوصول إلى السكان المتضررين، والتعويض عن الآثار السلبية لرفع الدعم مع تعزيز التشاركية وتقليل اللامساواة.
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.