السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ستّ سنوات مضت وما نضا جرحها ولا نضت عنا ثوب الحزن ولا خِلعة الشوق لحبيب كان ولم يزل عنوان الجِدّ والاجتهاد والعمل الصادق والكفاح الدؤوب. لكنّ عزاءنا فيه أنه أفضى إلى من هو أحنّ علينا من أمهاتنا وأرأف بنا منهن، وأنّ صيته ومجده والصروح التي شيّدها ستبقى خير شاهد ودليل على سعيه ونجاحه بعَونٍ وتيسيرٍ من المولى تعالى، ناهيكم عن شهادات أهل الفضل فيه وفي عطاءاته الكثيرة وإنجازاته الجمّة رحمه الله وأحسن إليه.
في مثل هذا اليوم من الثامن عشر من شهر آب (أغسطس) يوافق مرور ست سنوات على رحيل الحاج محمد محمود قبيطر إلى جوار رَبِّهِ جل وعلا بعد عمر شامخ، تنقل فيه بعصامية فريدة وثباتٍ رصينٍ لا يعرف الكلل والملل، من نجاحٍ إلى نجاح في كافة العوالم التي طرقها من صناعة وتجارة وزراعة على تعدد أشكالها وتنوّع ألوانها. والله نسأل رافعين أكف الضراعة أن يتغمده بواسع عفوه وغفرانه ورحمته وأن يدخله الفردوس الأعلى مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا.
لن ننساك يا عمّ ما حيينا ونجدّدُ لك بيعة الحب والطاعة والرضى. ولن ننسى مآثرك الكثيرة، بل وستذكرك كل الأماكن التي لا ريب تفتقدك وتبحث عنك وعن طيفك كل يوم: مكتبك العامر، ركن الصلاة فيه وسجادة الصلاة وموضع سجودك عليها وموضع صعود عملك الطيب. وما أراها إلا تشاركنا حزننا في مصابنا الجلل بفقدنا لك. لكن ثق يا حبيبنا وكبيرنا أنك ستظل ما حيينا حبيبنا وكبيرنا ومعلمنا ومرشدنا وعلمنا وبوصلتنا الهادية لنا في دروب الحياة ومسالكها.
طِب يا كبير حيث أنت، فوالله لن يخذلك ربّك أبدا، وارقد بأمن وأمان في كنف ربّ عليم حكيم ورحمن رحيم.
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين.
اِبن أخيك المشتاق،
وائذَن لي أن أقول بكل إخلاص:
اِبنك ومحبك،
باسم أحمد قبيطر
أَبِي وَأَبِي وَأَبِي
أَبِي حَبِيبِيْ أَتشْجَى مِنْ أَسَى كُتُبِي
أَبِي أَجِبْنِي فَتُجْلَى لَوْعَةُ النُّوَبِ
أَجِبْ رَجَائِيْ فَإِنِّي ضِقْتُ مِنْ قَلَقِي
أَلَا أَجِبْنِي فَلَا أَلْتَاعُ فِي طَلَبِي
فَهَمْسَةٌ مِنْكَ تَرْوِينِي عَلَى ظَمَإٍ
وَنَظْرَةٌ مِنْكَ تَشْفِينِي مِنَ النَّصَبِ
فَأَنْتَ أَنْتَ أَمَانُ الدِّفْءِ أَنْشُدُهُ
وَأنْتَ أَنْتَ وِقَاءُ الطَّارِئِ اللَّجِبِ
فَعُدْ بِحَالِيْ لِعَهْدِ الطِّفْلِ شَوَّقَنِي
أَنْ أَرْتَجِيْ فِيْكَ مَا أَشْتَاقُ مِنْ لُعَبِي
أَجِبْ نِدَائِيْ، فَمَا زِلْتَ الَّذِي حَلَمَتْ
عَيْنِيْ بِرُؤْيَاهُ مَنْ رُؤْيَاهُ كَشْفُ نَبِي
فَكَمْ كَتَبْتُ وَمَا أَدْرِي إِذَا وَصَلَتْ
رَسَائِلُ الْوَجْدِ كَيْ تُنْبِيكَ عَنْ كُرَبِي
تُنْبِيكَ كَمْ عَصَفَتْ بِالْحَرْفِ نَاٰئِبَةٌ
وَمَسَّهُ الضُّرُّ لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الْوَصَبِ
فَزَاغَ عَنَّا وَعَنْ نَجْوَى رَسَائِلِنَا
وَبُحَّةُ النَّايِ قَدْ غُصَّتْ مِنَ التَّعَبِ
بَاءَتْ بِرُزْءٍ وَمِنْ نُبْلٍ مَعَازِفُهَا
أَغْضَتْ عَنِ الْبَوْحِ لَمْ تُفْصِحْ عَنِ السَّبَبِ
لَمْ تَأْلُ جَهْدًا لِكَيْ تُخْفِيْ مُلِمَّتَهَا
وَتَرفُوَ الْعُذْرَ لِيْ مِنْ خَشْيَةِ الْعَتَبِ
فَمَا سَمِعْتَ مُنَاجَاةً بِأُغْنِيَتِي
إِذْ تَاهَتِ الْآهُ فِي عَزْفِي وَفِي طَرَبِي
بِالْأَمْسِ كَانَتْ غِنَاءَ الطَّيْرِ نَغْمَتُهَا
وَفِتْنَةَ اللَّحْنِ فِي تَغْرِيدِهَا الْعَذِبِ
مَاذَا أَقُولُ وَقَدْ أَوْدَى الْبَلَاءُ بِهَا
وَأَخْرَسَ الشَّجْوَ فِي تَرْنِيمَةِ الْقَصَبِ
ضَجَّ الزَّمَانُ وَأَعْلَى فِيَّ صَيْحَتَهُ
وَأَذَّنَ الْمَوْتُ قَبْلَ النَّبْضِ فِي عَصَبِي
فَيَا لجُرْحِيَ مَنْ لِيْ الْيَوْمَ يُبْرِئُنِي
وَقَدْ تَجَدَّدَ مَوْتِيْ فِي مَمَاتِ أَبِي
قَضَى الْحَبِيبُ قَضَى مَنْ كَانَ مَدْرَسَةً
لِلْحَقِّ وَالرُّشْدِ فِي أَعْلَى عُلَى الرُّتَبِ
فَرُحْتُ أَشْكُو مَضَاءَ الْفَقْدِ فِي حَزَنٍ
وَكَيْفَ أَرْثِي كَبِيرَ السَّادَةِ النُّجُبِ
بِأَيِّ حَرْفٍ أُوَفِّيْ الْكَيْلَ مَنْ يَدُهُ
حَنَتْ عَلَيَّ وَأَرْوَتْنِيْ نُهَى الْأَدَبِ
بِكُلِّ نُوْرٍ وَعِلْمٍ مَا اشْتَكَى تَعَبًا
بِصَارِمِ الْجِدِّ لَا بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ
فَإِنْ رثيْتُكَ أَرْثِيْ الْفَقْدَ أُلْهِبُهُ
وَحَرْفِيَ الْكَلُّ يَصْلَى حُرْقَةَ اللَّهَبِ
وَقَدْ لَجَأْتُ إِلَى الْأَحْزَانِ تُرْشِدُنِي
أَنْ كَيْفَ أَرْثِيْ أَبًا لِيْ، بَلْ أَبًا لِأَبِي
عَمَّاهُ طِبْتَ وَطَابَتْ فِيكَ عَائِلَةٌ
فِيهَا سَتَخْلُدُ فِي الْأَصْلَابِ وَالْعَقِبِ
فَالشِّيبُ فِينَا كَذَا الشُّبَّانُ كُلُّهُمُ
يَنْمُو عَلَى اسْمِكَ فِي زَهْوٍ وَبِشْرِ صَبِي
وَالْكُلُّ يَدْعُو إِلَهًا وَاحِدًا أَحَدًا
كَيْمَا تَحُوزَ جِنَانَ الْخُلْدِ فِي دَأَبِ
أَوْرِدْهُ رَبِّيْ عَلَى الْمَبْعُوثِ شَاٰفِعِنَا
فِي جِيْرَةٍ آلُهَا أَنْقَى مِنَ الذَّهَبِ
يَا عَمُّ جِئْتُكَ هَوْلُ الْفَقْدِ يَغْلِبُنِي
لَكِنْ أَتَيْتُ عَزِيزًا غَيْرَ مُنْتَحِبِ
يَا مَعْلَمًا فِي ضَمِيرِ الْبَأْسِ تَاهَ عُلًى
خَاضَ الْحَيَاةَ جَسُورًا قَطُّ لَمْ يَهَبِ
الْجُودُ رَايَتُهُ وَالْبَذْلُ غَايَتُهُ
تَسْخُو الْيَدَانِ لَكَمْ جَادَتْ بِلَا رَهَبِ
يَدَانِ أَغْدَقَتَا جُودًا بِلَا مِنَنٍ
لَمْ تَبْغِ غَيْرَ رِضَى الْمَنَّانِ مِنْ أَرَبِ
تِسْعُونَ مَرَّتْ وَخَمْسٌ فَوْقَهَا شَمَخَتْ
نُورًا وَعِزًّا فَيَا للثَّوْرَةِ الْعَجَبِ
الصِّدْقُ جَوْهَرُهَا وَالنُّبْلُ مَعْدِنُهَا
كَانَتْ وَدَامَتْ بِفَخْرٍ غُرَّةَ الْحِقَبِ
وَاللّٰهُ أَكْرَمَهُ فَضْلًا بِأَجْنِحَةٍ
خَفَّاقَةٍ بِالْعَطَايَا دُونَمَا رِيَبِ
هُمْ إِخْوَةٌ كَتَبُوا بِالْبَذْلِ صَفْحَتَهُمْ
آثَارُهُمْ أَذْهَلَتْ فِي عَالَمِ النُّخَبِ
هُمْ قُدْوَةٌ عَمَرُوا بِالْمَجْدِ مَنْزِلَةً
أُسْطُورَةً سَطَعَتْ أَسْنَى مِنَ الشُّهُبِ
هُمْ سُؤْدَدُ الْحُبِّ فِي قَلْبِيْ وَفِي هُدُبِيْ
تَاجُ الْأَعِزَّةِ مَنْ يَزْكُو بِهِمْ نَسَبِي
مِنْ أَحْمَدِ الْجُودِ لِلْعَبْدِ الْغَنِيِّ إِلَى
مُحَمَّدِ الْفَضْلِ فِي جَاهٍ وَفِي حَسَبِ
وَالْيَوْمَ قَدْ جُمِعُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةٍ
مِنْ نَسْلِ فَاطِمَةٍ أَكْرِمِ بِمُنْتَسَبِ
اللهُ حَافِظُهُمْ فِي الْخَلْقِ رَافِعُهُمْ
إِنْ كَانَ مِنْ عَجَمٍ مَجْدًا وَمِنْ عَرَبِ
يَا قِمَّةَ الْعِزِّ عُنْوَانًا وَمَكْرُمَةً
خَابَتْ ظُنُونٌ وَفِيكَ الظَنُّ لَمْ يَخِبِ
كُنْتَ الصَّبُورَ عَلَى الدُّنُيَا تُكَابِدُهَا
بِسَيْفِ حِلْمِكَ إِذْ أَرْبَى عَلَى الْقُضُبِ
كَمْ مِنْ نُجُومٍ مَدَى الْجَوْزَاءِ قَدْ أَفَلَتْ
إِلَّاكَ أَنْتَ فَأَنْتَ الْبَدْرُ لَمْ يَغِبِ
تَجُوبُ تَخْتَرِقُ الْآفَاقَ فِي شَغَفٍ
أَنْسَاكَ فَرْطَ التَّجَلِّي زَفْرَةَ اللَّغَبِ
تَعْلُو وَتَنْقُشُ فَوْقَ الْغَيْمِ مَلْحَمَةً
أَغْنَتْ بِعِلْمِكَ عَنْ مَوْسُوعَةِ الْكُتُبِ
تَحْكِي الْكَوَاكِبُ وَالْأَفْلَاكُ شَاهِدَةٌ
أَنْ يَا قُبَيْطِرُ أَنْتَ النُّورُ فِي السُّحُبِ
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.