تاجُ الشهور
الصمتُ أبلغُ من مقالي مَنطِقا
فكبا لساني واستكانَ وأطرقا
وانصاع يصغي للدموعِ متى همَتْ
تبكي بحرقةِ من تملّكهُ الشّقا
ماذا عدا مما بدا يا أدمعي
قالت أهَلْ في قابلٍ من ملتقى
رمضانُ يسري في شغافِ مشاعري
حبًّا تلألأ في فؤادي مُشرقا
مهما تخفّى ليس يخفى عاشقٌ
وتراه من فرطِ الغرامِ تأرّقا
كيف التبرُّؤُ حين أضناه الهوى
والقلبُ في رحمِ الهيامِ تخلّقا
ألِفَ السهادَ وإذ تطاول ليلُهُ
فاض الغرامُ وفي الفؤادِ تعملقا
فيهزّنا شوقًا ويُحرقُنا جوًى
كم ذا عظيمٌ أن نحبَّ ونعشقا
يا أيُّها الشهرُ الأعزُّ جلالةً
بين الشهورِ ودمتَ فيها الأعرَقا
حصرًا خُصِصتَ بقولِ “لي” من ربِّنا
هي ذروةٌ في المجدِ ليست تُرتقى
للهِ درُّكَ ما أبرَّكَ آسِيًا
لمّا هطلتَ بكلِّ آياتِ النّقا
حُمِّلتَ للأرواحِ خيرَ المرتجى
فالصومُ يكلؤها الطهارةَ والتقى
يا يوسفًا بين الشهورِ بحسنِهِ
رُدَّ القميصَ على العيونِ فترمُقا
ماذا حُبِيتَ من العطايا للورى
حتى تعاينَ فيك ذاك الرّونقا
كنتَ النجاةَ لكلِّ عبدٍ مؤمنٍ
صام احتسابًا، بالرجاءِ تمنطقا
وأقام في كهفِ الليالي مخبِتًا
يدعو ويرجو أن يُثابَ ويُعتَقا
وأناخ في المحرابِ يسألُ ربَّهُ
حظَّ الرضى فضلًا وعفوًا مغدَقا
يغدو به جدبُ الصحيفةِ مثمرًا
والقلبُ يرجعُ بالنّداوةِ مورقا
ما همّهُ الإظلامُ لم يعبأ بهِ
فدجاهُ من أملِ الإجابةِ أشرقا
لي فيك يا شهرَ الفضائلِ مبتغى
عند الإلهِ رجوتُ أن يتحقّقا
فعساك ترشدُني لليلتِكَ التي
من ألفِ شهرٍ قد تجلّتْ أسبَقا
رمضانُ لا تعجلْ بسيرِكَ واتّئِدْ
كيما نجددَّ للتلاقي المَوثِقا
إن كان من عمرٍ بأحكامِ القضا
فَهَلُمّ واستدركْ فؤادًا شيّقا
ما انفّك يلهجُ في هواكَ مناديًا
يا أيُّها الشهرُ الفضيلُ إلى اللِّقا
تعسًا لمنْ وافيتَهُ لكنّما
جهلًا جفاكَ فخابَ فيك وأخفقا
ماذا أقولُ وخشيتي أني الذي
بجهالتي استحوَذتُ كسبًا مُقلِقا
يا ليتَ أعلمُ ما يخبّئُهُ غدي
فالخوفُ من آتٍ مريبٍ أطبقا
بتوجّسٍ يجتاحُني بظنونِهِ
والروحُ مني أوشكتْ أن تُزهَقا
قلبي ينوءُ بما جنيتُ حماقةً
وانهار في لججِ الخطايا مغرَقا
يشقى ويرزحُ تحت نيرِ هواجسي
لا بأس أن تحنو عليهِ وتُشفقا
عذرًا إذا ما نحتُ من عظمِ الأسى
فكأنّ كسبي بالرياءِ تدفّقا
واليومَ أبصرُهُ وما لي حيلةٌ
وأمام عينِي باتَ جهدًا مُهرَقا
جَزّتْ مناجلُهُ حصادًا بائرًا
كم خلتُهُ غرسًا نضيرًا مُونِقا
الخوفُ يُحرِقُ مثلما جمرُ الغضى
هل يا تُرى أصلى جهنّمَ مُحرَقا
والشكُّ مقتلةُ النفوسِ يميتُها
في حَيْرةٍ إن أخطأَتْ في المُنتقى
أضحى ليَ الشكُّ المخيفُ ملازمًا
أنّى اتّجهتُ مغرّبًا ومُشرِّقا
همي ثقيلٌ في رجاءِ شفاعةٍ
تنْجي الذي في اللّهوِ دهرًا أنفقا
كلُّ الصلاةِ على الشفيعِ وآلهِ
من قلبِ صبٍّ بالشفيعِ تعلّقا
وعسى أفوزُ بإذن ربي في غدٍ
بنصيبِ من صام احتسابًا واتقى
رحماكَ يا اللهُ أسعفْ تائهًا
يخشى يلاقي بابَ عفوِك مغلَقا
أصبو إلى جلبابِ فضلِكَ موقنًا
أني أصبتُ إذا رضيتَ الأوفقا
هي بردةٌ حِيكَتْ بخيطانِ الرضى
عزّتْ نسيجًا أن ترِثَّ وتَخلَقا
رمضانُ هل لي أن أنال المرتقى
إني أشاهدُ حيثُ أخطو مَوبِقا
باللهِ لا تتركْ عُبَيدًا آثمًا
واستر فضوحًا بالذنوبِ مطوّقا
هلّلتُ لمّا لاح طيفُك في السما
هلّ الهلالُ فذبتُ فيه تعشُّقا
بِشرًا أفَاض على دنانا فازدهتْ
بقدومِ شهرٍ دام خيرًا مطلقا
لا زلت تاجًا للشهورِ جميعِها
وتزيد عنها رونقًا وتألّقا
أولست تعلوها بكلِّ جدارة
فوق الجبينِ تَزينُ منها المفرِقا
واليوم ترحلُ لم تبالِ بمدنفِ
يزدادُ فيك على الرحيلِ تشوُّقا
أطِلِ المقامَ ولو بقدر هنيهةٍ
رفقًا بقلبٍ في هواكَ تحرّقا
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.