


تقرير خاص بقلم الصحافي محمود النابلسي عضو نقابة محرري الصحافة اللبنانية بعد التغطية الميدانية للزيارة من دمشق
في خطوة وُصفت بالتاريخية، حلّ سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ضيفًا على سوريا، على رأس وفد من دار الفتوى، في زيارة رسمية حملت في طيّاتها الكثير من الدلالات على صعيد العلاقات اللبنانية السورية. وقد كنتُ حاضرًا في هذه الزيارة، كمراسل ومتابع، قادمًا من لبنان خصيصًا لمواكبتها ميدانيًا، ولا يسعني إلا أن أنقل ما لمسته من محبة واهتمام فائقين من القيادة السورية وشعبها، تجاه مفتي الجمهورية والوفد المرافق.
من المسجد الأموي إلى قصر الشعب
استُهلت الزيارة من المسجد الأموي في دمشق، حيث بدا لافتًا الترحاب الحار بالوفد اللبناني. وقد ألقى أمين الفتوى في طرابلس والشمال، فضيلة الشيخ بلال بارودي، كلمة مؤثرة شدد فيها على عمق العلاقة التاريخية والدينية التي تربط طرابلس بالشام، مؤكدًا أن هذه العلاقة لا تهتز مهما تباعدت المواقف السياسية. ولاحظت خلال هذه المحطة، اهتمامًا إعلاميًا سوريًا بالغًا بشخص الشيخ بارودي، الذي لطالما عُرف بمواقفه الصريحة من النظام السوري في محطات سابقة، لدرجة أنه تعرّض لمحاولة اغتيال وتفجير مسجده أثناء خطبته. إلا أن ما رأيته اليوم كان مختلفًا تمامًا: استقبال واحتضان لافتان يعكسان طيّ صفحة الماضي وفتح باب المصالحة الوجدانية قبل السياسية.
لقاء وزارة الأوقاف ونداء لتفعيل التعاون الديني
في المحطة الثانية، زار الوفد وزير الأوقاف السوري الدكتور محمد عبد الستار السيد. وكان اللقاء مناسبة للتأكيد على ضرورة توثيق التعاون بين العلماء في البلدين، وتفعيل دورهم المشترك في ترسيخ الاستقرار الثقافي والديني، ومواجهة موجات الفوضى الفكرية. وقد عبّر مفتي طرابلس والشمال، سماحة الشيخ محمد إمام، عن هذا التلاقي بعبارة جامعة قال فيها: “لبنان وسوريا يجمعهما التاريخ والمصير، وما يُشاع في الإعلام الصهيوني عن ضم طرابلس إلى سوريا لا يعدو كونه أكاذيب رخيصة هدفها زرع الفتنة”.
اللقاء مع الرئيس السوري صفحة جديدة
أما المحطة الأبرز، فكانت زيارة قصر الشعب ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع. وقد كانت أجواء اللقاء إيجابية للغاية، تخللتها دعوات صريحة من الطرفين إلى فتح صفحة جديدة من التعاون، بعيدًا عن رواسب المرحلة السابقة، وبما يخدم الشعبين في شتى المجالات. وختم مفتي الجمهورية اللقاء بتقديم درع تكريمي يحمل وسام دار الفتوى للرئيس السوري، في مشهد رمزي يعكس الرغبة الواضحة في بناء علاقة احترام متبادل.
محبة شعبية لافتة وتقدير للرموز الدينية
ما شدّ انتباهي كمراقب ومراسل خلال هذه الزيارة، هو حجم المحبة التي لقيها مفتي الجمهورية ونائبه مفتي طرابلس وأمين الفتوى الشيخ بلال بارودي من مختلف الأوساط السورية، شعبًا وقيادة ومؤسسات دينية. وقد بدت هذه المحبة عفوية وصادقة، تُرجمت في مواقف الاستقبال وفي الكلمات التي قيلت وفي التغطية الإعلامية الواسعة التي رافقت الزيارة.
زيارة دمشق لم تكن مجرد بروتوكول رسمي، بل شكلت مناسبة لمصالحة وجدانية وروحية بين بلدين شقيقين، يشتركان في التاريخ والدم والمستقبل. وهي خطوة، آمل أن تكون فاتحة لمسار جديد من التلاقي، قوامه الصراحة والاحترام والتعاون.