سيّدُ الرّيح
مَن أخبر الموجَ أن الريحَ غاضبةٌ
حتى يهيجَ كمن يمشي إلى ثأْرِ
اِهدأْ قليلًا شبِعنا منك زمجرةً
واسكنْ لِنَتْلُوَ بسمِ اللهِ والعصرِ
أما علمتَ بأن الصخرَ منتظرٌ
وبسمةُ الموتِ جلّاها على الثّغرِ
ترغي وتزبدُ لا عقلٌ ولا بصرٌ
إليهِ تمضي إلى حتفٍ على الصخرِ
ويحَ اضطرابِكَ من همٍّ ومن أرَقٍ
أودى بحالِك من عسرٍ إلى عسرِ
مهما استشطتَ فعقبى السخطِ في زبَدٍ
يفنى وتفنى فدَع ما كان من فُجرِ
كنْ سيّدَ الريحِ لا تتركْ لموجدةٍ
ترمي بنُبلِكَ في دوامةِ الوَغرِ
فالوغرُ منقصةٌ تودي عواقبُها
إلى جنونٍ بذاتِ الروحِ يستشري
كنافخِ الكيرِ إن لم تؤذِ لفحتُهُ
لا بدّ تنفثُ ما يؤذيكَ في النشرِ
المكرُ دافعُهُ والبغضُ عائدُهُ
والحقدُ مثلبةٌ سكّينُها يفري
ماذا ستجني وأنتَ الغيظَ تبذرُهُ
سوى مزيدٍ من الآلامِ والقهرِ
تعاتبُ الكُلَّ، تَلْحو دونَ بيّنةٍ
فحُزْتَ بالظنِّ أخصامًا بلا حصرِ
العفوُ عند كريمِ الأصلِ منقبةٌ
وزينةٌ فيهِ تُزكي عاليَ القدرِ
ألا سبيلٌ إلى سِلْمٍ تعانقُهُ
يا عاشقَ العيشِ بينَ الكَرِّ والفرِّ
ما زلتَ تشكو وتشكو دائمًا أبدًا
صيفًا شتاءً وفي حرٍّ وفي قُرِّ
آفاتُ عمرِكَ مهما كان مبلغُها
لها لطيفٌ خبيرٌ داءَها يُبري
تباركَ اللهُ يا سبحانَ قدرتهِ
إنْ قالَ كنْ لَشَفى ما فيكَ من ضُرِّ
فعُد إلى اللهِ واستغفر جلالتَهُ
قل يا غفورُ وتُبْ للغافرِ البَّرِّ
خَوفي عليك من الدنيا وزخرفِها
فزخرفُ العيشِ أدري أنه يغري
يُغويك يغريكَ تستهويكَ فتنتُهُ
تسبيك حسنًا ولا تخلو من الغدرِ
كما الأراقمِ إذ لانتْ ملامسُها
وليسَ تُؤمَنُ من سُمٍّ بها يسري
إنّ الحياةَ هي الحيّاتُ مُسْبِتَةٌ
دعها فَتنجُوَ واقطَع حبلَها السُّرّي
ما زلتَ تصبو إليها عاشقًا ولِهًا
فعانقتكَ كما الخُنّاقِ في النّحرِ
هي الغدورُ وكم يحلو لخنجرِها
طعنَ المُغَرَّرِ في ظهرٍ وفي خصرِ
بلغتَ حدًّا تمادى في جهالتهِ
ولست تعبأُ بالكتمانِ والسَّترِ
حالُ الغويِّ متى اشتدّتْ غوايتهُ
يَغوى فخورًا بسَطعِ الجهرِ لا السِّرِّ
أُعذِرتَ دهرًا فهل حضّرتَ أجوبةً
وبعضَ زادٍ لآتٍ هاكَهُ يجري؟!!
اللهُ ربّيَ والإسلامُ معتقدي
ودينُ أحمدَ كانَ الختمَ للذِّكْرِ
غدًا قريبٌ ومهما بانَ موعدُهُ
والحُكمُ فيهِ قضاءٌ محكمُ البترِ
يأتي مشوقًا كمنْ نيرانُ لهفتهِ
على أحرِّ مِنَ الإحراقِ بالجمرِ
تُنسي المنايا شفارَ الهندِ فاتكةً
أربَتْ وتاهتْ على الفتّاكةِ السّمرِ
الموتُ حقٌّ وذِكرُ الموتِ دامَ لنا
أمَّ العظاتِ لأهلِ العقلِ والفكرِ
سُكَّ الرّتاجُ على الدنيا وأنتَ هنا
حتى النشورِ وئيدَ المَحبِسِ القسري
هيلَ الترابُ على الجثمانِ في دعَةٍ
لكنْ جميعًا تخلَّوْا عنكَ في القبرِ
أدركتَ أنّكَ مبتورٌ بِلا صلةٍ
والحلْوُ ولّى لتُبلى اليومَ بالمُرِّ
ومَنكرٌ ونَكيرٌ ها هما أتَيا
ماذا تجيبُ وهل أعددتَ من عذرِ
لا ليس يُجدي التّمَنِّي لاتَ معذرةً
يا ليت أدري وإنّيْ لم أكن أدري
فغَرتَ ثغرًا تغاوى في فصاحتهِ
حاز البلاغةَ في نثرٍ وفي شعرِ
لكنّما اليومَ لم تسعِفْهُ قافيةٌ
ولا التلمُّظُ في نظمٍ بلا كَسرِ
أَبحر وسَمِّ إلهًا واحدًا أحدًا
إنّا إليهِ لَفي أعلى عُلى الفقرِ
وارفُقْ بروحِكَ، كن ربّانَ مركبِها
هِيَ السّفينةُ في دوّامةِ العُمرِ
وارفع صواريكَ في الإبحارِ في ثقةٍ
تكن لروحِك إيلافًا مدى الدّهرِ
وامخر عبابًا من الإحسانِ مزدحمًا
بكلِّ ما لذَوي الأخلاقِ من أجرِ
فإذْ ثوابُكَ والأقلامُ تكتبُهُ
ماءُ المحيطاتِ لا تكفيه من حبرِ
طاب التواضعُ في الأخلاقِ مأثرةً
وبئسما الخلُقُ الموسومُ بالكبْرِ
الكبرُ ينصبُ جدرانًا مفرِّقةً
بين البرايا خلافَ الوِدِّ والبِرِّ
وليس كالحِلْمِ بين الناسِ آصرةٌ
ولا كما الرِّفقِ بين الناسِ من جسرِ
تواتر النقلُ فيمن تاه عجرفةً
لَيُبْعَثَنَّ مثيلَ الذرِّ في الحشرِ
فليتَ يعقلُ أهلُ الكبرِ عاقبةً
جزاؤهَا الوطءُ بالأقدامِ كالذرِّ
نارُ الضّغينةِ تكوي صدرَ نافخِها
كالماءِ في القِدرِ تغلي داخل الصدرِ
هلّا همدتَ فلن تصغِيْ لعاصفةٍ
أسبابُ نقلِكَ من عسرٍ إلى يُسرِ
أجِب بنظرةِ حِلمٍ لا مخاصمةٍ
واختم بنقطةِ صفحٍ آخرَ السطرِ
عسى تؤذّنُ فوق الغيمِ ميسِرةٌ
أصداؤها أملٌ يأتيكَ بالبِشْرِ
إنا علمنا وآيُ اللهِ واضحةٌ
أنّ المآلَ إذا تهنا إلى خسرِ
هُمَا سبيلانِ إمّا الخلدُ في سقَرٍ
أوِ الفراديسِ في جناتِها الخضرِ
لنا شفيعٌ إلى اسماعيلَ سيّدِنا
طهرٌ تقلّبَ في الأصلابِ بالطّهرِ
محمّدٌ لَرسولُ اللهِ نورُ هدًى
فابْتَع هداهُ وما نافاهُ فلْتَشرِ
عليهِ صلِّ وآلِ البيت عترتِهِ
وللشّفاعةِ فابذُلْ أنفسَ المهرِ
واقرأْ كتابَك لا تهملْ وصيّتَهُ
إن المفازةَ في صبرٍ على الصبرِ
واكبح جماحَك إن الشطَّ موعدُنا
تذوي الرياحُ وتبقى هيبةُ البحرِ
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.