إليكَ أُنِيب
قصيدة للشاعر باسم أحمد قبيطر
أصبُّ الدمعَ آناءَ الليالي
وقد شَفّتْ من الأحزانِ حالي
وما دمعي وفيهِ انْسابَ حزني
سوى سُقيا لآلامٍ ثقالِ
ولستُ إخالهُ من بأسِ كربي
ليطفئَ خفقَ نارٍ في اشتعالِ
ويمضي بي ويرجِعُ بي سؤالٌ
ويرحلُ بي إلى ألفِ احتمالِ
يُؤرجحُني ذهولي كالحيارى
فلا أدري يميني من شِمالي
وأشربُ كأسَ تيهٍ فاضَ فيها
مخيضٌ من همومٍ في انهمالِ
فأجرعُ نخبَ غسلينٍ مريرٍ
تمخّضَ عن ذنوبٍ في فِعالي
أواصلُها احتساءً واجتراعًا
وأرشفُها إلى حدِّ الثُّمالِ
وأشرعُ في حوارٍ والحُميّا
وأرزحُ تحتَ أنواءِ السِّجالِ
كأنّ السّكْرَ أترعنِي شجونًا
وضاعفَ مسَّ وسواسِ الخبالِ
أفتّشُ عن طريقٍ، لا طريقٌ
وضاق الأفْقُ واتسّعَ انشغالي
وغصَّ العيشُ وازدحمتْ رؤاهُ
بأوهامٍ ينوءُ بها خيالِي
فتضطرمُ الهواجسُ محرقاتٍ
لِعَيْشٍ في لظى الشهواتِ صالِ
فهل من عصمةٍ أو من سبيلٍ
لأسلكَها على أملِ النوالِ
لِمنجاةٍ يراودُها أفولٌ
عنِ الإشراقِ في كنفِ الوصالِ
فليسَ سوى المهالكِ لا أغالي
مدى عمرٍ منَ التسديدِ خالِ
فوا عجبي كأني فرط وهمي
تُخاصمُني صُوى حسنِ المآلِ
فأعثَرُ في خطايا بعثرتني
وأغرقُ في ذنوبٍ كالرمالِ
وأرزَحُ تحتَ آثامٍ جسامٍ
إذا وُزِنتْ تزيدُ على الجبالِ
وكبَّلَتِ المآثمُ كالعوادي
ولا أدري جوازًا في المثالِ
أمانِيَّ انطَوَتْ صارتْ جُثامًا
بأصفادِ المتاهةِ والغلالِ
وزادتْ من مآسٍ دونَ آسٍ
أنيسٍ في أماسِيَّ الطّوالِ
يعزّزُني ويؤنسُني بليلٍ
يؤرّقُهُ غيابٌ للهلالِ
فكيف سأرتجي نورًا وبدرًا
وقد أمسى شحيحًا كالظلالِ
تشتِّتُني أعاصيرُ المعاصي
وما لِيَ من غِياثٍ أو ثِمالِ
ليشفعَ لي بأجرٍ أو ثوابٍ
فَأبذُلَ دونهُ حالي ومالي
وينصرَنِي ولكن لستُ أُلْفي
سوى ذنبيْ المنغِّصِ من مُوالِ
فتشتدُّ الظلامةُ في رجائي
كأني للهدى والحقِّ قالِ
تشاكسُني الدروبُ وحيثُ أخطو
يضيقُ العمرُ عن رحبِ المجالِ
ويقلقُني غموضٌ زاد غمّي
توعّدني بنازلَةِ النَّكالِ
بنازلةِ النّوازلِ والبلايا
متى ما آن آنٌ لارتحالي
فحِرتُ بهِ أفتّشُ عنْ حلولٍ
لأبنِيَ منزلِي بعد انتقالي
إلى دارٍ عساها خيرَ دارٍ
لمرءٍ لم يقامِرْ بالحلالِ
وتعصِفُ بي الظّنونُ ولستُ أدري
إذا زالتْ، نصيرُ إلى زوالِ؟!!
وهل تُغنِي المحاذرُ عن حتوفٍ
تباغتُنا وتخطرُ باختيالِ
وأينَ نفرُّ منها والمنايا
يسابقُ عدوُها عدوَ الرّئالِ
فلن يجديْ فرارٌ وارتحالٌ
ولا جريٌ ولا كيْدُ المِحالِ
ولكن سوفَ تجهدُ في هروبٍ
وكنتَ تصولُ تيهًا في الرّجالِ
ستعدو هاربًا من بعدِ عزٍّ
فإن العمرَ يا مفتونُ غالِ
ولو خُيِّرتَ ويحَكَ كنتَ تفدي
حياتَكَ بالنّفائسِ والغوالي
يُنَغِّصُني جوابٌ تاهَ عنّي
وتاهَ الردُّ في قيلٍ وقالِ
وألقى الدّهرُ حِملًا فوق صدري
ولم يعبأْ بحالي واحتمالي
وذاك الحِملُ باءَ بكلِّ ذنبٍ
وخوَّضَ في الخطايا لا يبالي
فأوسَعني جراحًا واعتلالًا
وحرتُ أكانَ يُفرحُهُ اعتلالِي؟!
لِيغرقَني بألوانِ الرّزايا
ويُصميني برميٍ للنبالِ
وأرماحٍ من الأرزاءِ تترى
تواكبُها تصاريفُ الحوالِ
فأردَتْني صريعَ الظنِّ خوفًا
وأردَتْ أمنَ روحي في وبالِ
وما لي من دروعٍ أكتسيها
و لا عملٍ تنزّهَ عن ضلالِ
وليس كما تقى ربّي مِجَنٌّ
ولا درعٌ يقيني في النزالِ
وتقوى اللهِ حتمًا خيرُ طبٍّ
لأبرأَ من ضميرٍ في هزالِ
وأنجُوَ من ظنونٍ عاتياتٍ
فتنكسرَ النصالُ على النصالِ
وإني لو تحرّفَ بيْ التباسٌ
وشكٌّ عنْ مُضِيٍّ في القتالِ
سيبقى الدينُ يوقدُني وثوقًا
ويشحذُني بعزمٍ للنّضالِ
فليْتَ القلبَ يسرعُ في متابٍ
ويمضي للإنابةِ في عجالِ
فجرحي بات يكويني وذنبي
كما جرحي توغّلَ في خصالي
وبتُّ اليومَ في أرَقٍ وسُهدٍ
كأنّ التوبَ ضربٌ من مُحالِ
ولكني ألوذُ بحلمِ ربٍّ
يزيلُ الهمَّ من قبلِ السؤالِ
إليكَ أنيبُ ممتلئًا بقلبٍ
جميلِ الظنِّ في ربِّ الجلالِ
فسامحني إذا هزُل ابتهالي
ولم أحسنْ خطابًا في كمالِ
ففي صدري يقينٌ يا إلهي
بحلمٍ منكَ يكفيني مقالي
وأختِمُ بالصلاةِ على حبيبي
رسولِ اللهِ أشفعُها بآلِ
شفيعِ الخلقِ من جنٍّ وإنسٍ
وهادينا المكارمَ والمعالي
فإن حدَّثتَ حدِّثْ عن كريمٍ
أقلُّ قليلِه كرمُ الخِلالِ
تفرّدَ بالسّجايا عن مثيلٍ
سراجٌ فاقَ بدرًا في اكتمالِ
هو المبعوثُ خاتمةً وختمًا
وبين الرسْلِ يسطعُ كاللآلي
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا🌴
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.