مقطع بتصرف من قصيدة: يا ربّ.
آخِرُ زَفَّة
رَبَّاهُ إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ حَقِيقَةً
جَعَلَتْ كِيَانِي عَنْ كِيَانِي يَذْهَلُ
وَلَقَدْ أَتَيْتُ الْيَوْمَ أَشْكُو مُذْنِبًا
فِي كُلِّ أَحْدَابِ الْغَوَى يَتَنَقَّلُ
بِئْسَ الظَّلُومُ يُبِيحُ كُلَّ جَرِيرَةٍ
يَقْتَاتُ مِنْ رَهَقِ الذُّنُوبِ وَيَأْكُلُ
غِرٌّ غَرِيرٌ فِي حُمَيَّا حُسْنِهِ
وَالْحُسْنُ هِنْدَامٌ يَشِفُّ وَيَسْمُلُ
كَمْ غَرَّهُ عَزْمُ الشَّبَابِ وَظَنَّهُ
أَبَدًا يَدُومُ وَزَهْوُهُ لَا يَهْزُلُ
دَهْرٌ فَتِيٌٌ وَالْفُتُوَّةُ فِتْنَةٌ
أَنْسَتْ نَضَارَتُهَا رَبِيعًا يَمْحُلُ
وَالْعَيْشُ غَضٌّ وَالْحَيَاةُ غَضَارَةٌ
لكِنَّ طِيبَ الْعُمْرِ غَادٍ يَرْذُلُ
وَإِذِ اشْتَعَالُ الشَّيْبِ أَوْقَدَ نَارَهُ
وَغَدَا يَجِيشُ كَمَا يَجِيشُ الْمِرْجَلُ
وَانْقَضَّ مِثْلَ الصَّقْرِ أَنْشَبَ ظِفْرَهُ
فِي كَلْكَلٍ أَقْوَى فَنَاحَ الْكَلْكَلُ
لَمْ يَبْقَ مِنْ رَغَدِ الزَّمَان سِوَى الْأَسَى
وَالْحُزْنُ لِلدَّمْعِ الْأَسِيفِ يُقَلْقِلُ
يَنْعَى شَبَابًا خَالَهُ لَنْ يَنْقَضِي
أَيْنَ الصِّبَا يَا ذلِكَ الْمُسْتَغْفَلُ؟!
أَيْنَ الصِّبَا أَيْنَ الْفُتُوَّةُ أَيْنَهَا؟!
اللهَ يَا عَهْدَ الصِّبَا تَتَمَهَّلُ
أَيْنَ الْـ:أَنَا أَمْ هَدَّهَا ثِقْلُ الْوَنَى
بَاءَتْ بِعُجْبٍ لِلْمَحَاسِنِ يُفْشِلُ
صَدِئَتْ أَنَاكَ وَقَدْ تَقَادَمَ لَمْعُهَا
إِنَّ الْـ:أَنَا لَمِنَ الْخَطِيئَةِ أَقْتَلُ
عِشْ مَا أَرَدتَ كَمَا أَرَدتَ بَلِ اسْتَفِضْ
مَا شِئْتَ مِمَّا شِئْتَ يَوْمُكَ مُقْبِلُ
شَاخَ الشَّبَابُ وَغَارَ نَهْرُ فَتَائِهِ
غِيضَ الْغَدِيرُ وَغَاضَ ذَاكَ الْمَنْهَلُ
هَلْ جِئْتَ تَنْدُبُ مَا حَسِبْتَ مُخَلَّدًا
لَيْتَ اسْتَفَقْتَ وَأَنْتَ مَاضٍ تَكْهُلُ؟!!
ذَبُلَتْ غُصُونُكَ مَا دَهَا أَوْرَاقَهَا
بِالْأَمْسِ كَانَتْ غَضَّةً تَتَهَدَّلُ؟!!
مَاذَا عَرَاهَا مَا عَرَا أَطْيَارَهَا
لَمْ يَبْقَ طَيْرٌ صَادِحٌ أَوْ بُلْبُلُ؟!!
يَا لَيْتَ شِعْرِي هُشِّمَتْ أَفْنَانُهَا
وَالْوُرْقُ كَمَّمَهَا الْأَسَى لَا تَهْدِلُ
خَوَتِ الْحُقُولُ وَقَدْ تَآكَلَهَا الدَّبَى
جَيْشًا تَجَحْفَلَ لَمْ يَذَرْ مَا يُؤْكَلُ
وَالْوَرْدُ وَالْأَزْهَارُ أَخْلَاهَا الشَّذَا
فَبِمَنْ تُرَى قَطْرُ النَّدَى يَتَغَزَّلُ؟!!
مِنْ أَيْنَ تَسْقِي غُلَّ دَهْرٍ ذَابِلٍ
مِنْ أَيْنَ تَسْتَسْقِي وَجَفَّ الْجَدْوَلُ؟!!
لَا حَوْلَ لِي إِنْ لَمْ تُغِثْ يَا خَالِقِي
فَرَجَوْتُ غَوْثَكَ، هَلْ أُرَدُّ وَأُخْذَلُ؟!!
غَمِّي شَدِيدٌ وَاغْتِمَامِي مُتْلِفِي
فَأَجِبْ عَصِيًّا فِي حِمَاكَ يُحَوْقِلُ
هَا قَدْ مَدَدتُّ يَدَ الضَّرَاعَةِ، خُذْ بِهَا
مَا لِي سِوَاكَ مِنَ الضَّلَالَةِ يُؤْمَلُ
حَاشَاكَ صَدِّي أَنْتَ مَنْ أَمَّلْتَنِي
وَعَلَيْكَ يَا رَبَّ الْعَطَاءِ أُعَوِّلُ
أَزِفَ الرَّحِيلُ وَطَاحَ عُمْرٌ شَامِخٌ
وَأَتَى الَمَمَاتُ عَلَى رُفَاتِي يَصْهَلُ
وَغَدًا أُوَارَى تَحْتَ أَطْبَاقِ الثَّرَى
فَبِأَيِّ عُذْرٍ بَعْدَهَا أَتَجَمَّلُ
يَا وَحْشَتَاهُ مَتَى غَرَابِيبُ الْخَطَا-
-يَا فِي اللُّحُودِ الْمُوحِشَاتِ تُوَلْوِلُ
مَاذَا تَقُولُ صَحِيفَةٌ تَثْوِي مَعِي
وَالذَّنْبُ فِي أَحْشَائِهَا مُتَأَصِّلُ
وَفَدَتْ تُحَاسِبُنِي جُمُوعُ مَآثِمِي
وَكَأَنَّهَا مِنْ كُلِّ صَوْبٍ تَنْسِلُ
وَرَأَيْتُنِي خِلْوَ الْمَقَالِ تِجَاهَهَا
لَا قَوْلَ يَدْفَعُ مَا تُبِينُ وَيُبْطِلُ
لَا زَادَ يَشْفَعُ لِي فَآهَتْ كُرْبَتِي
لَوْلَا أَعُودُ إِلَى الْحَيَاةِ وَأَعْمَلُ
أَشْكُو عَلَى وَقْعِ الْمَآقِي فَاقَتِي
زَاغَ الضِّيَاءُ وَطَالَ لَيْلِي الْأَلْيَلُ
يَا أَيُّهَا الشَّاكِي لَقَدْ وَقَعَ الَّذِي
لَا لَمْ تَكُنْ تَرْجُو وَلَا تَتَخَيَّلُ
مَا عَادَ يُجْدِي الْيَوْمَ مِنْكَ تَحَسُّرٌ
هذَا مَآلٌ عَنْهُ لَا تَتَحَوَّلُ
خُتِمَ الْكِتَابُ وَسُكَّ بَابُ صِحَافِهِ
وَغَدَوْتَ نَزْرَ إِثَابَةٍ تَتَسَوَّلُ
وَشَرِيطُ عُمْرِكَ نُصْبَ عَيْنِكَ مَاثِلٌ
وَدَقِيقُهُ بِأَدَقِّهِ يَتَفَصَّلُ
أَفْنَيْتَ دَهْرًا خَلْفَ سَعْيٍ زَائِلٍ
فَإِذَا التُّرَاٰبُ يَجُبُّ مَا تَتَأَمَّلُ
وَنَسِيتَ عَهْدَكَ فِي الْعِبَادَةِ لَاهِيًا
وَمَتَى دُعِيتَ إِلَى الْهُدَى تَتَمَلْمَلُ
مَاذَا تُقَدِّمُ غَيْرَ مَالٍ صُنْتَهُ
وَالْمَالُ وَيْحَكَ بِئْسَ مَا يُتَمَوَّلُ
مَا جِئْتَ مِنْ عَمَلٍ يُثِيبُكَ جَنَّةً
إِلَّا غَوًى فِي دَرْكِهِ تَتَسَلْسَلُ
وَمَضَيْتَ تُوقِدُهُ وَتَنْفُخُ نَارَهُ
بِضَلَالَةٍ لِلَظَى جَهَنَّمَ تُشْعِلُ
فِي يَوْمِ غَسْلِكَ قَبْلَ آخِرِ زَفَّةٍ
يَا لَيْتَهَا تِلْكَ الْمَآثِمُ تُغْسَلُ
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.