أنَا المقدسيُّ، وَأنتُم؟

أنَا المقدسيُّ، وَأنتُم ..؟!!

manar-0043549001703084527106849060357634992926 أنَا المقدسيُّ، وَأنتُم؟
مفتاح فلسطين المسلوبة

أنَا المقدسيُّ يعرفُني الحقلُ وتعرفُني الأرضُ والسماءُ وغِراسُ الزيتون.
تعرفُني الطريقُ التي تَصِلُ الناصرةَ بالقدس، ويعرفُني ليلُ المعراجِ الذي استفاقَ في المسجدِ الأقصى على صلاتي.
تعرفُني الغيومُ التي تسقي أرضي وحرثي، يعرفُني الهواءُ والنسيمُ وتذكرُني العاصفة .. تعرفُني الينابيعُ وتنصفُني الفصولُ وتنتظرُني كلُّ الشموسِ ليشرقَ وجهي، وتعرفُني النجومُ التي طالما أحبّتْني على استحياءٍ وأطلَّتْ لأجلي، ويعرفُني القمرُ الذي يبحثُ عني كلَّ ليلةٍ لكي نتسامر.
أَنَا المقدِسيُّ تعرفُني فلسطينُ من الماءِ إلى الماء، تعرفُني عكا وأسوارُ عكا ويافا وليمونُ يافا والحجارةُ في المقالع، تعرفُني نابلسُ وحيفا والكرمل وبئر السّبعِ والجليل وأريحا وشموخُ جنين ودير ياسين وكفر قاسم وطولكرم وصفد وبيت لحم، والخليل ورفح وخان يونس، واللد والرملة والنقب وقلقيلية والأغوار وبيسان وطبريا، فأنا القلبُ في رام الله ونبضُ القلبِ في غزة. أنَا الخريطةُ لا ريبَ فيها من الفاءِ إلى النونِ، صنعَتْها خطواتي وابتساماتي وجراحي وفأسي ومِعولي.
في كلِّ شبرٍ لي أثرُ ابتسامةٍ وجرحٍ وغرسةِ زيتون.
ماتَ التاريخُ ولم أمُتْ، فاسأَلوا كلَّ الغاصِبينَ عني .. إسألوا هيرودسَ وروما .. إسألوا الأجنبيَّ الذي ظلَّ أجنبيًا إلى يومِ طردتُه، وبقيتُ الوطنَ والحِضنَ والحِصنَ لأبنائي وأكبادي.
ففي كلِّ قتْلةٍ كنتُ أولدُ ألفَ مرةٍ، وأتعمّدُ بالطهرِ ألفَ مرةٍ ..
أَنَا الأرضُ وابنُ الأرضِ وروحُ الأرض .. أَنَا المقدسِيُّ والقدسُ والأقداسُ والأقانيمُ الثلاثة، أنَا الرياحُ الذارياتُ في السفوحِ والوديانِ والذرى ..
:- أنَا العـااااصِفة ..!!
أنا حبّةُ الحِنطةِ التي وقعتْ في الأرضِ فانْشقّتْ عن آلافِ السنابل.
أنا التين والزعترُ والزيتون والعنب والليمون والميرمية والخبيزة والبقلة والنعناع وبخور مريم …
أنا نباتُ هذه السهولِ التي ترويها دماءُ الصاعدينَ إلى الملكوت، فمَنْ يستطيعُ قتلي، وفي كلِّ شهادةٍ أُبعثُ ممتلئًا حياةً وقوة، فرُحتُ أنشدُ الموتَ سبيلًا إلى الخلود.
قتلني قاتلي ثم ماتَ واندثر، وصار في التاريخِ عِبرةً لمنِ اعتبر. عاشَ سفّاحًا وقضى عليه دمُ القتيل .. لم يجدْ وصفًا ينصفُهُ أكثرَ من سفاحٍ وقاتل. وحسبي أنّني ابْنُ القدسِ، أمّي حبيبتي ومُرضِعتي الشّرفَ والإباءَ، معجونٌ بتاريخِها وترابِ أرضِها وعزّتِها. فتحيّةً لكِ يا أمّي! تحيّةً يا قدسُ، يا أمَّ الأبرياءِ المنتصرينَ بدمِهم على شفرةِ السكّين، وأمَّ القومِ الجبارينَ الأعزّةِ الصّامدين. أنتِ الأمُّ الحقيقيةُ التي لا أمَّ لنا سواها، ولا ترضَيْنَ لكِ أبناءً سوانا.. أنتِ التي مشتْ دربَ الجُلجُلة، أنتِ التي حضنَتْ وربّتْ وَعَلّمتْ ورعتْ، ثمّ بكتْ بعيونِ الشوقِ مَنْ غابَ قسطًا من زمنٍ ولم يأفُلْ، فأبناؤكِ همْ أبناءُ الكرامةِ لا يعرفونَ الأفول، فبعدَ كلِّ غيابٍ يعودون، كان حتمًا عليهم أن يعودوا لأنهم لا يموتون …

باسم أحمد قبيطر – إسبانيا

Share this content:

بواسطة ahmadstaiteh

President, Manager