وداعا عصمت….
الى ان نلتقي.
بقلم: وفيق الهواري
الثلاثاء ليلا الموافق فيه الرابع عشر من شباط ٢٠٢٣، كنت اجمع أفكاري لكتابة نص حول الذكرى السنوية لتحرير صيدا ومنطقتها، عندما وصلتني رسالة هاتفية تخبرني بوفاة عصمت القواص.
أصابني التوتر، لم أصدق الخبر، توالت الرسائل الهاتفية تستوضح الخبر، تجاهلت الموضوع، لا اريد الحديث به، لا أصدق ما حصل.
حاولت النوم، لم استطع، عادت بي الذاكرة الى اكثر من نصف قرن، اغمضت عيوني لاعيش الذاكرة بكامل تفاصيلها.
عصمت ذلك الطالب الجامعي، الذي يحلم بجامعة لبنانية وطنية، وهو المناضل المنتسب الى منظمة العمل الشيوعي ويعمل من اجل التغيير الديمقراطي، بعد تخرجه والتحاقه بالتعليم الثانوي تحول إلى مناضل نقابي في رابطة الاساتذة الثانويين من خلال موقعه الحزبي والديمقراطي، وذلك لم يمنعه من المشاركة بالعمل الشعبي في المدينة. شارك في الحرب الاهلية، كما شاركنا بقناعة انه يمكن ان نحدث التغيير الثوري الذي نعمل له.
تذكرت حادثة حصلت معه عندما طال أمد احد الاجتماعات في بلدة الزرارية ولم يجد وسيلة للعودة الى صيدا، سار على قدميه من الزرارية الى عدلون ليبيت عند حسن عبود، وبعدها قضى ثلاثة أيام للراحة، سألته لماذا تأخر في الاجتماع، اجاب:” طال النقاش ولن امنع الرفاق من طرح وجهات نظرهم”. ضحك واضاف:” وسرت طويلا واصبت بوجع في القدمين.”
لم يغب عن ساحة النضال وعن المشاركة بكل المهام التي تطلب منه.
وبعد الاحتلال الاسرائيلي لمدينة صيدا ، خرج فترة الى بيروت ليعود الى المنطقة ليقود مجموعات المقاومة الوطنية المنتمية الى منظمة العمل الشيوعي. في تلك الفترة اذكر انه كان يدرس في احدى ثانويات بيروت، وعند انتقاله الى صيدا، استحصلت على تقرير طبي يفيد انه مريض بالديسك وسلمته الى ادارة المدرسة، واخبرت المسؤول انه يقيم في حي ماضي، حيث لا يمكن زيارته للتأكد من مرضه في تلك الايام. وبعد اعتقاله، أحضرت إفادة باعتقاله من الصليب الأحمر الدولي وقدمتها الى ادارة المدرسة، توتر المسؤول وسألني: “كنت تكذب وتقول انه مريض، والان تقول انه اعتقل”؟.
اجبته انه يقاتل ويناضل دفاعا عني وعنك وعن الوطن، وانا على استعداد لاكذب مرة اخرى دفاعا عن عصمت.
بعد تحرره لم يغير قناعاته بضرورة التغيير الديمقراطي وبرز ذلك في جميع المواقع التي احتلها وكان آخرها المكتب الإعلامي للنائب اسامة سعد.
عاش عصمت حياته علمانيا، يحترم معتقدات الآخرين، ولم يلتحق باي موقع طائفي ولم يتوسله للوصول إلى موقع ما. كان متعاقدا في الجامعة اللبنانية، وجرى إدخال العديد من المتعاقدين الى الملاك عن طريق زعماء طوائفهم شرط أن يقدموا الطلبات عبر الزعماء، رفض عصمت اللجوء إلى أي زعيم طائفي وفضل ان يبقى متعاقدا بديلا من الالتحاق بزعيم طائفي يؤمن دخوله الى ملاك الجامعة.
خلال وجوده في المستشفى التقيت بأحد الاصدقاء الفلسطينيين الذي اخبرني :” التقيت عصمت احدى المرات وكنا نناقش موضوع التيارات الايديولوجية ومشاركتها في النضال من اجل فلسطين، يومها قال لي عصمت، لا يهمني معتقد الشخص، يهمني هل يقاتل ضد الكيان الاسرائيلي ام لا، لأن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني مقدس عندي. أحسست يومها بانتماءه الفلسطيني الفعلي”.
عصمت لقد خسرنا كثيرا برحيلك، لكن نعاهدك السير في خطك الديمقراطي العلماني، وأن نبقى في خط الدفاع عن مصالح الناس من اجل دولة ديمقراطية عادلة، وأن نستمر بالنضال من اجل تحرير فلسطين والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في كل مكان، الى ان نلتقي.
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.