مرفأ صيدا وتداعياته على المدينة

مرفأ صيدا وتداعياته على المدينة

يبدو ان المرفأ صار امراً واقعاً قيد الإنجاز والتجهيز، لذلك لا بد من وقفة مراجعة للبحث في تداعياته المحتملة ، التي  قد تنتج عن التلاصق  غير المبرر بالمدينة القديمة ،حيث اسقط عليها بشكل مفاجئ ودون اي دراسة لجدواه الاقتصادية وتأثيراته البيئية والاجتماعية .

مع الإشارة إلى  ان مشروع المرفأ لم يناقش حتى اليوم مناقشة علمية شاملة ، وقد تمّ تحديد دوره وموقعه في اروقة السلطة المغلقة ،من دون الإعلان عن أي معلومات لاهل المدينة ،تسمح لهم بمناقشة المشروع بشكل علمي توصلاً لتحديد الموقع و الدور و الصفة لهذا المرفأ؟ مما يطرح السؤال: هل هو حقاً لأهل المدينة ؟
بعيداً عن المحاصصة الطائفية التي تتحكم في مناطق إنشاء المرافق الاقتصادية والبنى الإنتاجية في البلد ، من المؤكد ان إقامة مرفأ تجاري في صيدا له فوائد اقتصادية واجتماعية .
لكن السؤال : أي دور له في المخطط الوطني للنقل البحري؟ تخصصه، وظيفته ؟ وهل هو وليد سياسة تكاملية أم تنافسية مع مرفأ بيروت ؟ وخاصة انه يبعد عنه 40 كلم  ، كما يبعد 20 كلم عن مرفأ عدلون، و ١٧ كلم عن الجية، و 7 كلم عن مرفأ الزهراني ؟
او ان دوره يندرج ضمن خطة مرسومة (مخفية بالادراج) خدمةً لمشاريع مستقبلية يخطط لها في المنطقة المردومة الملاصقة له ؟
عودٌ على بدء (للتذكير فقط) ان المسابقة المعمارية الدولية لوضع مخطط توجيهي لشاطئ مدينة صيدا  ، والذي شارك فيه اكثر ١٦ مكتباً من المكاتب الهندسية اللبنانية والعالمية بتكليف من بلدية صيدا ، وقد فاز فيها مشروع المعمار الأردني راسم بدران بالمرتبة الأولى وكلف على اثرها بوضع مخطط تفصيلي لوجهة استعمالات الشاطئ ، قد حددت الدراسة منطقة خليج الإسكندر منطقة سياحيّة بامتياز ، مع توصية بإقامة الفنادق ومراكز الترفيه والتسوق السياحية ، وجعل بحر إسكندر مرفأ سياحي ومرسى لليخوت وملحقاته ، وقد حدد أقصى جنوب المدينة موقعاً لإقامة المرفأ التجاري .
من قرر  إقامة المرفأ التجاري بدل السياحي في خليج الاسكندر؟ وبناء لأي رؤية وأي دراسة؟ ولماذا تهدر البلدية مئات ألوف الدولارات على دراسات لا تكلف نفسها تنفيذها أو العمل بموجبها ؟ حقا انه لامر مستهجن ان تدار أمور المدينة بهذا القدر من عدم المبالاة! واهدار المال العام ! وحرمان المدينة من أجمل مواقعها التاريخية والسياحية ! ولمصلحة من ؟.
وحيث ان الامر اصبح واقعاً: ما هي اهم الآثار السلبية المحتملة على المدينة؟

  1. ان تلاصق المرفأ بالمدينة القديمة له تداعيات عدة أهمها :
         •   زيادة الضغط على البنية التحتية للمدينة القديمة نتيجة حركة النقل البري الذي سيؤدي الى ازدحام مروري كبير في الشوارع ما يسبب فوضى عارمة وصعوبة في حركة التنقل.
       •   كما ان حركة مرور الشاحنات الثقيلة بجوار المباني القديمة ،من شأنها أن تسبب اهتزازات متكررة تؤدي إلى زعزعة الأساسات وتشققات في الجدران، مما يهدد سلامة المباني التراثية. وستساهم بالمزيد بعزل المدينة عن بحرها ، مما ينعكس سلبياً على إقامة اي نشاط سياحي مستقبلاً حول المرفأ القديم وخاصة بجوار القلعة البحرية ومحيط خان الافرنج .
      • التلوث البيئي:
      •ان زيادة النشاط التجاري قد تؤدي إلى هجرة عدد من السكان المحليين ليحل مكانهم عمال المرفأ، نتيجة للتدهور البيئي و التغيرات الاقتصادية والاجتماعية ، مما يسبب اختلالاً في النسيج الاجتماعي قد يغيّر الطابع الاجتماعي والثقافي للمدينة.
      • الخوف من ان الضرر الذي يلحق بالتراث المعماري يمكن أن يؤدي إلى تقليص جاذبية المدينة كوجهة سياحية. 
      •ان وجود مرفأ تجاري يعني حركة متزايدة للسفن والشاحنات ،مما يولّد انبعاثات كربونية في البيئة المحيطة تُلوث الماء والهواء، وتؤثر سلبياً على الحياة البحرية وكذلك على سكان المدينة القديمة. اضافةً إلى التلوث السمعي والبصري نتيجة زيادة الضوضاء لحركة النقل ، التي تؤثر بشكل سلبي على الحياة في المدينة التاريخية .
         الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للمرفأ التجاري
         •   يُسهل المرفأ عملية استيراد وتصدير البضائع، مما يعزز النشاط التجاري والاقتصاد المحلي.
          •   يخلق فرص عمل ، يحسن مستوى المعيشة.
         •   يوفر وظائف مباشرة ،ويؤمن مجالات عمل جديدة.
         •   يرفع من جاذبية المدينة للاستثمارات الصناعية والتجارية.
      لكن بعيدا عن التفائل المفرط ، علينا التعامل بالارقام من خلال دراسة جدوى اقتصادية لمعرفة عدد فرص العمل ونوعها وحجم الواردات والصادرات ونوعها ومنشأها ، ومعرفة العائدات المالية المتوقعة للخزينة العامة ،واذا كان من عائدات لصندوق بلدية صيدا؟ بمعنى اخر هل هناك دراسة جدوى اقتصادية؟ هل هناك ارقام لحجم الإنتاج القابل للتصدير (زراعي أم صناعي ) لمعرفة مدى حاجة المدينة لمرفأ تجاري  ، وهل توازي السلبيات التي قد تنتج عنه ؟
      •لنستعرض معاً تقدير فرص العمل المحتملة ؛ 
    يعتمد عدد الوظائف على حجم الميناء، ونوع البضائع، والتقنيات المستخدمة، ويمكننا مقاربة تقسيم الوظائف عل الشكل التالي:
    أ. الوظائف المباشرة ضمن الميناء نفسه
      •   عمال التحميل والتفريغ / سائقو الشاحنات والنقل الداخلي / مشغلو الرافعات والمعدات الثقيلة /فنيو صيانة السفن والمعدات/ إداريون ومشرفون لوجستيون/ رجال أمن ومراقبة الميناء. (كم يبلغ تعدادهم ؟)
    ب. الوظائف غير المباشرة (خارج الميناء، لكنها متصلة به(
      •   شركات التخليص الجمركي والخدمات اللوجستية / والمستودعات للتخزين.
    ج . نوع الوظائف ومدى فائدتها للمدينة
      •   معظم الوظائف في المرحلة الأولى ستكون متدنية الأجور مثل التحميل والتفريغ والنقل. وسائقين لتشغيل المعدات والآليات داخل حرم المرفأ.
      •   اما الوظائف الإدارية والتخصصية ستكون محدودة وقد لا يستفيد منها أبناء المدينة إذا لم يكن لديهم خبرات في القطاع البحري واللوجستي.
    الفوائد الثقافية والسياحية (إذا تم التخطيط لها بحكمة)
      • إن إنشاء رصيف لليخوت السياحية يجذب السياح والمستثمرين.
      • ينشط قطاع السياحة في المدينة، ويرسي أولى عناصر صناعة السياحة البحرية في المدينة.
      • يتيح فرصة استقبال فئة مختلفة من السياح  .
      • يجنب الإضرار بالمشهد الطبيعي والتراثي إذا تم التخطيط له بعناية .
    • يوفر خدمات إضافية، مثل المطاعم والمقاهي ومحلات بيع التجهيزات البحرية.
     • يعكس صورة حديثة ومتطورة عن المدينة، مما يعزز مكانتها على الخريطة السياحية.
    الشروط الواجب مراعاتها:
      •   يجب أن يتم تصميم الرصيف بطريقة لا تتعارض مع وظيفة المرفأ التجاري ولا تضر بالحوض المائي أو البيئة البحرية.
         •   لا بد أن يكون الرصيف جزءًا من خطة شاملة تحترم الهوية التاريخية للمدينة.
         • يتطلب إنشاء خدمات داعمة مثل مواقف سيارات، محطات وقود لليخوت،ومرافق صيانة.
         •   استخدام مواد وتصاميم تقلل من التأثير البيئي وتضمن حماية الثروة البحرية.
    إقامة المرفأ والرصيف يتطلبان دراسة جدوى شاملة تشمل الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لضمان تحقيق أقصى استفادة مع تقليل الأضرارالمحتملة. 
    نخلص الى القول ان على السلطة المحلية المسؤولة عن حماية مصالح المدينة، وبدعم القوى السياسية وقوى المجتمع المدني المطالبة من إدارة المرفأ وسلطة الوصاية ، إبراز دراسة الجدوى الاقتصادية وشرحها ومناقشتها مع المواطنين ليبنى على الشيء مقتضاه  . كون المرفأ والمنطقة المردومة المحاذية له في الأملاك العامة البحرية، يحتلان  نصف الواجهة البحرية للمدينة ، ونظراً لقدرتهما تحديد وبشكل كبير مستقبل المدينة الاقتصادي والتنموي .
         أما إذا كان الهدف وراء إنشاء الميناء هو مصلحة مستثمرين أوجهات متمولة تسعى لإقامة مراكز لوجستية لمشاريع وشركات خارجية ، يصبح دور المدينة في خدمة الميناء ومشاريعه وليس العكس .و هذا يعني أن المدينة ستتحول إلى منطقة لوجستية تدور حول حركة البضائع ، وليس بالضرورة أن تستفيد بشكل مباشر إلا عبر فرص العمل والخدمات المرافقة.
    اهم المخاطر المحتملة !
      •   تحول المدينة إلى مجرد محطة خدمات للميناء دون تنمية اقتصادية حقيقية.
      •   تخوف من ازدهار الاقتصاد الرديف والأسود وانتشاره ، وقد تشكل المدينة القديمة بيئة ملائمة .
      •   تلوث بيئي وضغط على البنية التحتية بغياب التخطيط الجيد.
      •   استفادة فئة قليلة من المستثمرين لبنانيين واجانب ، بينما يبقى السكان في وظائف متدنية.
    الخلاصة
    ان إنشاء الميناء قد يوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، لكن طبيعة الوظائف ستحدد مدى استفادة السكان المحليين. إذا لم يكن هناك تخطيط شامل يشمل كافة الجوانب ، فقد تتحول المدينة إلى مجرد ساحة خلفية للميناء دون تنمية حقيقية ، مع خسارة أجمل مواقعهاالسياحية والتاريخية.
    هل بمقدورنا تصويب المشروع بما يخدم مدينتا،أم أننا دون سن الرشد ؟  تجمّع علِّ صوْتك
مرفأ صيدا وتداعياته على المدينة
مرفأ صيدا وتداعياته على المدينة

ahmadstaiteh

President, Manager

Related Posts

الدكتور الحموي مكرَّمًا من جمعيات شمالية

جمعيات شمالية

كيف ترى صيدا عام ٢٠٣٠(٤)

صيدا

ربما فاتك

يوم الأرض الفلسطيني

يوم الأرض الفلسطيني

مطالبة جمعيات مكررة منع استخدام الفحم الحجري والبترولي في مصانع الإسمنت

مطالبة جمعيات مكررة منع استخدام الفحم الحجري والبترولي في مصانع الإسمنت

إفطار جامع لجمعية الإصلاح والتعاون الخيرية في طرابلس ودعوة للإنماء ودعم غزة

إفطار جامع لجمعية الإصلاح والتعاون الخيرية في طرابلس ودعوة للإنماء ودعم غزة

الدكتور الحموي مكرَّمًا من جمعيات شمالية

الدكتور الحموي مكرَّمًا من جمعيات شمالية