
أسرّت لي إحدى صديقات والدتي بُعيد وفاتها التي وافقت رحمها الله الثالث والعشرين من شهر (شباط – فبراير) 2022، أنها كانت تتألم كثيرًا من وجودي في غربة خارج البلاد. ولا ريب أنه شعور كل أم تجد ولدها بعيدًا عنها، فكيف لو حال دون ذلك مسافات وحدود وبلدان. فكان قول السيدة الكريمة حافزًا استثارني لأكتب الكلمات البسيطة أدناه، أخاطب فيها والدتي رحمها الله تعالى، وأسألها لماذا كتَمت الأمر عني، وأغمدت الحزن سيفًا في قلبها، ولم تجعلني أشعر لحظةً بحسرة البعاد إلا من دمعة شوق تنطق بها العين، وكلمة رضى لا يكتمها قلب الأم.
اللهمّ ارحم أمي وأكرمها وأعلِ درجاتها وأدخلها الفردوس الأعلى .. اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.
أم تُرى مني سئمتِ؟!
كنتِ كلّيْ يومَ كنتِ
لم تزالي حيثُ أنتِ
هل تقولينَ لماذا
ضقتِ بيْ ذرعًا ورحتِ؟!
أنتِها كلُّ جهاتي
حيثما ولّيْتُ لُحتِ
هل تُرى من طولِ مُكْثٍ
أم ترى مني سئمتِ؟!
لم تَشِي حتى بآهٍ
وبحرفٍ ما نبَسْتِ
لم تُبِيني طَرْفَ لَومٍ
حسبُ قلبي لو طرَفْتِ
سأُوالي لَومَ نفسيْ
إن بعيشٍ أو بمَوتِ
طيبةً آثرتِ صمتًا
كيف أدري إن صمَتِّ؟!
أيّ سرٍّ غابَ عنّي
في حناياكِ دفنتِ
وتوارى خلف غيبٍ
هزّنيْ حينَ ارتحلْتِ
هل نويتِ الصومَ برءًا
مثلما مريمُ صُمتِ
هي صامَت لإلهٍ
حدّد الصومَ بوقتِ
قيل لي ما لم تقولي
ليتَ يا أمّاهُ قلتِ
أسعِفيني بجوابٍ
أَكمَا اعتدتِ استخَرتِ؟!
لم أكن إلا لأرضى
ما تريدينَ وشئتِ
أَوَمَا تدرينَ ويحي
كان يكفي لو أشرتِ
كنتُ من فوريْ لَآتي
لو بِما أسْرَرتِ بُحتِ
فاغفِري ليْ غابَ عنّيْ
ما بِبُعديْ عنكِ ذقتِ
ورجائيْ من إلهيْ الْـ
عفوُ عن جهليْ وأَمْتِي
فرضاهُ من رضاكِ الْـ
مُرتَجَى سعدًا لِبَخْتي
لم أشأ تصديقَ سمعيْ
قيلَ ماتتْ قلتُ نِمْتِ
أجهض الحقُّ التمنّيْ
صاح بالأوهامِ خِبْتِ
كلُّ مقدورٍ علينا
أجَلٌ لا بُدّ يأتي
زمجَر الموتُ ودوّى
كم جهورٌ دونَ صوتِ!!
آهِ يا نفسُ استفيقي
من ذهولٍ فيهِ غُصتِ
أخبِريني واصدُقيني
ما تغشّاكِ فتُهتِ
أتُرى أفتاكِ قلبي
ولفتواهُ استكنتِ
فعسى يغفرُ ربّي
ذنبَ قلبيْ دونَ مقتِ
لا تؤاخذني إلهيْ
حينَ حَبْرُ الحبِّ يُفتي
بغتةً غابَ شبابيْ
حالَما أمّاهُ غِبْتِ
كنتُ في المرآةِ غرًّا
آبَ شيخًا إذ رحلتِ
عكَسَتْ فِي الْحَالِ حاليْ
أيَّ مخلوقٍ عكَسْتِ؟!!
هالَ روحيْ ما أرَتْنِي
ذا أنا أم أنتِ شِبْتِ؟!!
ضحِكَتْ منّيْ عميقًا
قلْتُ يا مرآةُ خُنْتِ
لم يؤرّقْها اتّهاميْ
قلتُ حقًّا قد أصَبْتِ
كنتِ مرآةً غَرورًا
فلماذا اليومَ تُبْتِ
لا تبالي بهرائيْ
ونِعِمّا ما أبَنْتِ
لم تَعُد تخدعُ عَيْنيْ
أو تراعيني بِسَمتي
هكذا بانَ مشيبيْ
منذُ يا أمّاهُ بِنْتِ
لم أزل أرجوكِ أمّيْ
هَلْ بغفرانٍ مَنَنْتِ
كمْ أسًى بَلْ كمْ وَكَمْ
غُصَصًا حرّى كتَمتِ!!
آهِ من صبرٍ ووجدٍ
بِهما لُذْتِ وعُذْتِ
قرّتِ العينُ وطابتْ
كلّما في البالِ طفتِ
وإذا ناديتُ أمي
وردةً في القلبِ فُحتِ
هل إلى حلمٍ بلُقيا
وأرى أنّكِ عُدتِ
نِعمَتِ الفردوسُ عُقْبى
برضى اللهِ كسَبتِ
هل تلاقيتِ شهيدًا
ساكنًا فِيَّ بصمتِ
أحمدُ الطيّبُ حيٌّ
يا ربابَ الطِّيبِ طِبْتِ
أنتِ في جناتِ خلدٍ
كيف قالوا عنكِ مُتِّ
لم تموتي لا وربي
إنما بالموتِ عشتِ
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا