حكمة التدافع
البشر حشد متناقضات، “ثلثاه بِرّ وَثلثاه شر”، هو ذكر وأنثى، سعادة وكآبة، تفاؤل وتشاؤم، علم وجهل، كفر وإيمان، نجاح وخذلان، إذعان وعصيان، شيطان وإنسان، سكون وبركان، صدق صدوق وكذب صريح وتعريض يتجمّل أحيانًا. وقد يكون البشر كلّ هذا ليكون بشرًا. وقد نكونه لأننا ذلك الزوج المتناقض البهيج التائه في أحضان هذا العالم الواسع الممتد الرحب الفسيح حينًا، والضيّق الصغير المنقبض والمحصور حينًا آخر، ولكم يضيق على النفس بما رحب مراتٍ ومرات..!!
ألَسنا بذلك ألصق بالكون اللامتناهي ومفرداته؟!
ألَسنا بذلك أشبه بجارنا القمر، سمير العشاق في لياليهم وأحلامهم، ذلك السراج المنير في تقلباته وأحواله؟!
ألسنا نشبهه حقًّا؟! ألا تراه بين خشية المحاق وحياء الإهلال وتمام البدر، يحتاج إلى النقص والولادة والكمال ليكون قمرًا؟!
أليس كذلك البحر المحيط أيضًا؟! يرتضي المدّ والجزر ويذعن للموج يتقاذفه مضطربًا ومزبدًا ليكون بحرًا؟!
وهكذا هو زماننا من قبل ومن بعد، ضاق أم رحُبَ، امتد أم قصر، في تناقضات شتى من سلب وإيجاب لا حصر لها. صحو ومطر، برق ورعد، صيف وشتاء، هبوط وصعود، خصب وجدب، فيض وغيض، ثلج ونار، هدوء وعاصفة، سلم وحرب، بناء وهدم، إقبال وإدبار، دنو ونأي. هكذا هو، فراقَنا أن نسمي متناقضاته، ما بين نقصان المحاق ورجاء الاستهلال وامتداد رحلة الحياة في سبيل الموت، عمرًا..!!
سمّيناه عمرًا، ثمّ رحنا نتابع آثاره خاضعين مذعنين لأقدارنا..! نتقلب بين الرضى والصبر، والحلم والبغي، والقرب والبعد، والوصل والهجر، والأنس والقلى، والألفة والخصومة، ولوعة الأسى والهوى وشوب الملل، فتختلط في أسماعنا الأصوات وفي أذهاننا الرؤى، ما بين خلوص المحبة وكدر الرغبات، فإذا رواء العمر دمعة وابتسامة، ووصاله حديث وكلام أو فتات كلام في وليمة على مائدة الضمير، وغذاؤه إيمان لا يطلب البرهان، ولماذا الدليل والبرهان، فالحب وليد التناقضات لا التسويات، ويعيش عليها. وقديمًا قيل: قلبان لا يجتمعان بلحظة، لن يجتمعا في أجيال.
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.