بقلم الأستاذ الدكتور رأفت محمد رشيد الميقاتي
رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان والقانون المقارن
من المؤسف جدًا اصطناع عاصفة احتجاجات طائفية على قرار التأجيل بالعمل بالتوقيت الصيفي لحين انتهاء شهر رمضان المبارك تخفيفا على الصائمين في لبنان !!
وبعيدا عن الجدل الطائفي العقيم والمقيت والذي حاول البعض عبثا أن يلبسه لبوسا ميثاقيا تارة أو دستوريا -قانونيا تارة أخرى ، فإنه قد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن باستطاعة القوى الطائفية توريط مرجعيتها الدينية بمواقف لا تمت بصلة إلى لبنان الذي قيل إنه رسالة بالمعنى التعددي ، فإذا هو يعود رسالة بالمعنى المضادّ والمعاكس .
وعشية مرور اثنتي عشرة سنة من تولي البطرك الراعي سدة بطركية الموارنة لأنطاكيا وسائر المشرق ، يُصدرُ بيانا مناقضا لقرار رئيس مجلس الوزراء مهدرا ما تبقى من نداءاته المتعلقة بالشركة والشراكة ، وكأنه تحول الى رئيس حكومة جزء آخر من لبنان في زمن الفشل الذريع في انتخاب رئيس ماروني لجمهورية لبنان الكبير ، بما من شأنه إعادة مشهدية الانقسام اللبناني بين حكومتين إحداهما شرعية والأخرى وليدة الأمر الواقع !!
إننا نربأ بالصرح البطريركي أن يكون هذا الموقف قربانا على مذبح لقاء الرياضة الروحية الذي دعت إليه بكركي ، والذي يبدو أنه لن يخدم على الاطلاق مشهدية الخلاص الذي تنشده في زمن الانهيار الشامل ، كما لا يمت بصلة إلى الروح الرياضية ولا إلى الروح المعنوية والدينية بأية صلة !!
ومن العجب أن يتزامن ذلك أيضا مع الترويج “لعيد البشارة ” للتأكيد أن السيدة مريم العذراء تجمع اللبنانيين ، في الوقت الذي تصرّ فيه قوى مسيحية معروفة تغطت ببكركي على أن إراحة الصائمين المسلمين وتأجيل العمل بالتوقيت الصيفي يهدد وجوديا المسيحيين في لبنان والشرق ويسيء إليهم ، في حين أن السيدة مريم والمسيح عليهما السلام براء من كل ذلك .
وإذا كانت المسألة تتعلق بحقوق الطوائف ، فقد نسي البعض أو تناسى انتقاص حقوق المسلمين في عطلة يوم الجمعة الذي تم فرض العمل فرضا فيه بطريقة غير دستورية وإطالة مدة الدوام اليومي رغم ما يمس ذلك من حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية وإقامة صلواتهم ، في حين بقي السبت كله لليهود الذين لا وجود حقيقي لهم ، والأحد كاملا للنصارى بكل ساعاته الأربع والعشرين !!
ومن حق المسلمين أيضا أن يسألوا بطرك الشراكة عن حكم قيام الجهات الرسمية بتعطيل المدارس الرسمية أكثر من ثلاثة أسابيع لميلاد السيد المسيح عليه السلام مقابل يوم واحد لمولد سيد الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلزام المدارس الخاصة بهذه العطلة الطويلة تحت طائلة إنزال عقوبات لم ينص عليها القانون أصلا وخلافا للمذكرات الصادرة عن رئيس الحكومة ، ومن حق المسلمين أن يسألوا عن عدد أيام العطل في الأعياد المختلفة للطوائف والمذاهب المسيحية وصولا إلى التعطيل في الفصح ثلاثة أضعاف أيام الأعياد للمسلمين بكل مذاهبهم ، ألم يتنبه لذلك بطرك الشراكة الحريص على انتزاع ساعة واحدة من المسلمين الصائمين سنة وشيعة !!
وماذا تنفع الحوارات الاسلامية المسيحية إذا كنتم لا تكفون عن مطاردة رئاسة الحكومة وإسقاط قراراتها تارة وإسقاطها في الشارع تارة سابقة ، في الوقت الذي كم رسمتم خطوطا حمراء على رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان رغم إسقاطهما اللبنانيين بكل طوائفهم في جحيم لا يرضاه لهم السيد المسيح عليه السلام ولا مريم المقدسة!!
وماذا يبقى من اتفاق الطائف الذي دأب البطرك الراعي على الدعوة إلى مؤتمر دولي يكون فعلا بديلا عنه رغم كل الامتيازات الفعلية التي تمتع بها الموارنة جراء التعاطي المميز لرؤساء الحكومات المتعاقبين على لبنان بعد الطائف وقبله !!
ولا تملك بكركي البكاء على مشهدية لبنان الدستورية اليوم وغياب رئيس للجمهورية ، كونها هي التي تشبثت برعاية أسوأ قانون انتخابي في تاريخ لبنان أعاد المكونات اللبنانية إلى المذهبية البغيضة والعنصريات المقيتة التي نشهد فصولها يوميا من الأحزاب والشخصيات التي لا تمت إلى روح الدين المسيحي بأية صلة .
فلتتراجع بكركي ومن حرّضها عن سلسلة المواقف الخاطئة وعن موقفها الأخير المسيء للمسلمين جميعا وللوحدة الوطنية وللعيش المشترك المنصوص عليه في مقدمة الدستور .
فليحترم الجميع حقوق الإنسان اللبناني ،ولغبطة البطرك نقول : صوموا عن إيذاء شركائكم في الوطن وخاصة في شهر الصوم ، والرجوع عن الخطأ فضيلة أو غبطة يا صاحب الغبطة .
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.