اِعشَق
الليلُ داجٍ وهمسُ اللّيلِ مُنطلَقُ
صوبَ القصيدةِ في أنفاسِ من عشقوا
إذ يرسلُ الوحيَ في أقلامِهم شهُبًا
تختالُ عشقًا، وحبرُ العاشقِ الأرَقُ
العينُ مسهدةٌ والوجدُ حارسُها
من أين يدلجُ في ليلِ الهوى القلقُ؟!
أسامرُ الحرفَ علّ الحرفَ يلهمُني
وحيًا لطيفًا به الإيناسُ ينفلقُ
راودتُ نفسيَ عن شعريْ بأغنيةٍ
عساهُ يُجلى بها الإيجاشُ والفرَقُ
فهَلْ عصتني ولم تخضع لنغمتِها
أم ظنّتِ النفسُ أنّ الحاديَ الملَقُ
ما بين قلبي وأحلامي وشاعرتي
غصَّ القريضُ وكاد الحرفُ يختنقُ
كلُّ البحورِ تأبّت حبرَ ريشتِهِ
هلِ المدادُ بما يرويه لا يثِقُ
فكلما شَدّ للإبحارِ قافيةً
كبا اليراعُ وبانَ الأفْقُ والشفَقُ
فهل تراهُ غَدا من غيرِ عاطفةٍ
وكان من ألقٍَ تعنو له العنُقُ؟!
يأبى على النفسِ إيغالًا بصبوتِها
حدَّ الغوايةِ يخشى أنّه نزَقُ
يملي عليها بلطفٍ قصدَ منزلةٍ
في أهلِ إلّا، ولكنْ خانهُ الشبَقُ
من لي يحرّرهُ من لي يساندُهُ
في البوحِ يعضُدُهُ، أهواهُ ينعتقُ
يسري بليلٍ إلى الأقصى بلا قمرٍ
يهدي سُراهُ فخافَتْ خطوَهُ الطرُقُ
يصبو إلى كوكبِ العشاقِ في شغفٍ
يرقى بهِ طبَقًا من فوقهِ طبَقُ
كم كان يرجو رُقِيًّا في معارجِه
أين البراقُ عسى يرقى ويأتلقُ
يا روحُ هبّي على الأشواقِ زوبعةً
فيها انهمارُ ودادي سابِغٌ غدِقُ
أستصرخُ الشعرَ بِاسْمِ الحبِّ يسعفُني
هل مسني الجنُّ أم مسّ الهوى رهَقُ
لا أرهبُ الجنَّ إنّ الجنَّ ترهبُنِي
ما عاد تجرؤُ حتى السمعَ تسترِقُ
في كل حرفٍ شهابٌ قام يرصدُها
مَن ذا لِيُحصِيَ كم في نارِيَ احترقوا
وإنّ عبقرَ لو تدرونَ تعشقُنِي
فلي هنالِكَ أشياعٌ ولي فِرَقُ
للآن تقفو رؤى شعري لتسرقَها
ويحَ الأمانةِ في أعناقِ من سرقوا
الشعرُ للحبِّ مشكاةٌ وحاضنةٌ
والحبُّ للشعرِ إيمانٌ ومعتنَقُ
آمنتُ بالشعرِ طبًّا لا نديدَ لهُ
لا يخذلُ الشعرُ من في حبِّهم صدَقوا
جبلّةٌ طُبعتْ في أصلِ خلقتِهم
في طينِها جُبِلوا من قبلِ ما خُلقوا
من دانةِ الحبِّ من لألاءِ درّتِهِ
تنخّلوا العشقَ من أنقاهُ واعتنقوا
ولا أقولُ سوى ما حقَّ من سمةٍ
يا من فسقتَ لقد أزرى بكَ السّبَقُ
جئتَ افتئاتًا بحِذْقِ شابَهُ ملَقٌ
والحِذْقُ خبْثٌ مُوَشّى أيها الحَذِقُ
تدنو بخطوٍ وديعٍ في خطى حملٍ
لا يخطئُ القلبُ ما ذئبٌ وما برَقُ
ومدنفُ القلبِ لا تُضنيه صبوتُهُ
وقد تداويه في كيِّ الضّنى الحُرَقُ
مُنوّرُ الروحِ في خلْقٍ وفي خلُق
حُسنًا تساوى لديهِ الخلْقُ والخلُقُ
وإنّما الحبُّ للأرواحِ يعصِمُها
من غفلةِ التيهِ في أعقابِ من مرَقوا
لا يقبل الحبُّ إلا الصدقَ آصرةً
فمن تقصَّوْا سبيلَ الصدقِ ما افترقوا
ما زلتُ أسألُ من تاهوا ولم يصلوا
هل يغفرُ الحبُّ للعشاقِ ما رهِقوا
لا ريبَ أنّ اعتناقَ الحبِّ رقيتُهم
وكلّما أوغَلوا فيهِ اشتَفَوْا ورُقُوا
وطائرُ العشقِ غيبٌ في حمى قلَمٍ
رطبِ المدادِ وأعناقُ الورى ورَقُ
هذا كتابٌ وقد خَطّتْ صحائفَهُ
مطارقُ الدهرِ بِالأقدارِ مرتَفَقُ
يا شعرُ يا حبُّ يا إشراقَ قافيتي
هل ظلَّ للحرفِ في إبحارهِ رمَقُ
لا يرهبُ البحرَ لا يخشى عواصفَهُ
لكن تداركَ أنّ الموجَ يصطفقُ
أزجيْتُ روحِيَ غيماتٍ تظلِّلُهُ
وترشدُ العينَ إن زاغتْ بها الحدَقُ
سفينةُ الحرفِ والأسحارُ ساجيةٌ
قامتْ تبشّرُ أنّ الصبحَ منفلقُ
نِعمَ السفينةُ لا إغواءَ يفتنُها
فالحبُّ نورٌ يُوَشّي حرفَهُ الألقُ
أَبحر لعلّكَ في لجِّ الهيامِ ترى
كيف النّجاةُ على كفّيْهِ والغرَقُ
لا يعرفُ العشقَ إلا من يكابدُهُ
فلا تمارِ بهِ قومًا وما اختلقوا
في عالم الذرِّ والأرواحُ ساجدةٌ
كنّا شواهدَها، نُصغي ونختفقُ
نادى المنادي وأُشهِدنا على وَلَهٍ
ميثاقُه شرَفٌ تقتاتُهُ العَلَقُ
متى سيعقلُ عذّالٌ طغَوْا ملَقًا
أنّ الحياةَ من التّهيامِ تنبثِقُ
في كلِّ همزٍ أتَوْا لمزًا يغلّفُهُ
يُلبِّسون على العشاقِ ما نطقوا
لو أدركوا الحبَّ أو معشارَ مقصدِهِ
لما تولَّوا فرارًا منهُ أو أبقوا
هذي سفينةُ نوحٍ فاركبوا معنا
واستقرِئوا الوعظَ من غرقى غوًى نفَقوا
قالوا سنأوي إلى المافوق يعصمُنا
لو أنهم فقهوا قبحًا به نعَقوا
قلنا تعالَوا وإنّ الصبحَ موعدُنا
تاهتْ رؤاهم ولم يشرقْ لهم فلَقُ
ضاقتْ عليهم صباباتٌ بما رحُبَتْ
والمطلقُ الرحبُ قد عجّتْ به الزِّنَقُ
بعدًا لقومٍ تحدّوْنا بعذْلِهِمُ
فالعشقُ ما بيننا حدٌّ ومفترَقُ
من ذا سيعصمُهم مهما ارتقَوا صُعُدًا
لا شيءَ يعصمُ مَن بالحبِّ ما وَثِقوا
لا عاصمَ اليومَ من حبٍّ نلوذُ بهِ
نهرُ الحياةِ بأمنِ الحبِّ يندفقُ
والحبُّ جنّةُ عدنٍ يا مفارقَهُ
للعاشقينَ به الأرواحُ تَتّسِقُ
يا ليت شعريْ أبَوْا ما فيه من خُلُقٍ
لم يفهموهُ وعن أمرِ الهوى فسَقوا
مالُوا إلى صلَفٍ أدجى مشارقَهم
إصباحُهم غلَسٌ، إشراقُهم غسَقُ
ألا ترى الجمعَ لا تُرجى مودتُهم
كأنما الودُّ في أعناقِهم رِبَقُ
طبعُ القلى شِيَةٌ في الوجهِ بارزةٌ
وكلُّ نقصٍ على العذالِ ينطبقُ
على اللّباقةِ سكُّوا كلَّ نافذةٍ
تبًّا لقلبٍ كبابِ القبرِ ينغلقُ
ما أقبحَ العذلَ يشقى العاذلونَ بهِ
فالعذلُ منقصةٌ يسعى بها الحنَقُ
الكذبُ حيلتُهم والإفكُ غايتُهم
وفي حبالِ فِراهم حكمةً شُنِقوا
يقولُ ليْ الحبُّ لا تحفَلْ بما أفَكوا
إنّ المُحِبَّ رقيقٌ، لو قسا لبِقُ
أجبتُ يا حبُّ لو تدري بمكرِهِمُ
كأسي دهاقٌ وقلبي بالأسى فهِقُ
ما ذنبُ من عشِقوا، ماذا الذي اقترفوا
إذا أحبُّوا وفي أخلاقِهم سبقوا
آذنتُ بِالحبِّ أهلَ الشّكِّ فاتّعَظوا
وإذْ جموعُهُمُ بالحبِّ تلتحِقُ
أنا ذبيحٌ على أوراقِ ملهمتي
ما زلتُ أنزفُ حتى خافني الورَقُ
لكنّ نزفِيَ للعشاقِ خارطةٌ
من مشرقِ العشقِ حتى ينتهي الأفُقُ
وفي جراحيْ لهم آماقُ بوصلةٍ
تهدي رؤاهم متى ما غُمَّتِ المُؤَقُ
لن يعبقَ الوصلُ مسكًا ملءَ صبوتِنا
إلا متى الروح مثلَ العودِ تحترقُ
أو نحتسي الخمر صفوًا من مراشفِها
إلا إذا في رحى التهيامِ ننسحقُ
الروحُ تؤمنُ أن الحبَّ كعبتُها
وقِبلةُ القلبِ مهما أظلمَ النفَقُ
يا من تسائلُ من أحيا حدائقَنا
وكيفَ أينعَ فيها الوردُ والحَبَقُ
اِعشَقْ فتدركَ أن الوجدَ يمطرُها
من مُقلتَيْهِ فهَلَّ الغيثُ والودَقُ
من أولِّ العشقِ من وسميِّ لهفَتِهِ
هاج الربيعُ وثار العطرُ والعبَقُ!!
باسم أحمد قبيطر – إسبانيا
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.