الانتخابات النيابية هدف للوصول إلى موقع السلطة ام وسيلة للتغيير ؟؟؟
وفيق هواري _٩/١١/٢٠٢١
يدور الحديث في الأوساط السياسية بان الانتخابات النيابية القادمة ستجري ربيع العام ٢٠٢٢ اي في موعد استحقاقها الدستوري، ولكن مازال الخلاف مستحكما بين اطراف السلطة حول تحديد تاريخ اجراء العملية الانتخابية، وكل طرف يحاول الدفع بتاريخ محدد خدمة لما يراه مصلحة سياسية له، وفيما يحدد مجلس النواب تاريخ اجراء الانتخابات في ٢٧ اذار، وهذا التحديد ليس من اختصاصه، لكن السلطة التنفيذية عاجزة عن اقتراح تاريخ اخر، مع ان هذا من مهامها، بسبب الخلافات الناشبة بين أطرافها المكونة والتي ادت الى الجمود الذي نلحظه.
وتأتي هذه الانتخابات النيابية في ظل انسداد الافق امام النظام الطائفي السياسي، وعجزه عن تقديم اي حلول لمشكلات المجتمع والمؤسسات العامة في البلد.
هذا النظام الذي نشأ في اواسط القرن التاسع عشر، والذي كان يشهد أزمات دورية، تليها فترات راحة بين أزمة واخرى، يحاول خلالها استنباط حلول لازماته البنيوية من دون ادخال اي تغيير على اسس النظام نفسه، الا انه وخلال العقد الاخير بات يعيش أزمة دائمة، ولم يستطع الخروج منها ما يؤشر الى عدم القدرة على استنباط حلول ممكنة.
وفي الوقت نفسه يغيب عن لبنان اي مشروع لنظام بديل للنظام الطائفي، وهذا ما يزيد من حدة الازمة التي يعيشها البلد.
ولا تقتصر الازمة على بنيوية النظام الطائفي، بل تتعدى ذلك إلى أزمة العلاقات بين مكونات النظام المتنازعة على حصص النظام والسلطة التي تديره، وخصوصا خلال العقد الاخير. واذا كان اتفاق الطائف قد أعاد تشكيل النظام الطائفي على اساس المحاصصة التي افرزتها الحروب الاهلية، لكن هذا الشكل من النظام ما زال يشهد أزمات متواصلة منذ عام ٢٠٠٥، ولم تعد المكونات السياسية قادرة على التوصل الى تسوية جديدة تحدد حصص كل منها، وبدأ انها عاجزة عن تحقيق اي تسوية بغياب رعاية إقليمية ودولية فقدت بعد الخروج السوري من لبنان ودخول مرحلة التفتيت التي أشارت اليها رايس عند حديثها عن شرق أوسط جديد، ولجوء قوى إقليمية عدة لتوسيع نفوذها على حساب الكيانات الوطنية الموجودة.
وقد اتى القانون الانتخابي الاخير عام ٢٠١٧ كمحاولة لاعادة انتاج توازنات جديدة في السلطة، لكن نتائج الانتخابات عام ٢٠١٨، عمقت الانقسامات حول المواقع والحصص، وزادت من وتيرة تداخل العامل الخارجي بالعامل الداخلي.
وعلى الضفاف الاخرى، وخلال هذه الفترة الممتدة من اتفاق الطائف وحتى اللحظة، شهد الاقتصاد اللبناني انهيارا في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة، وتحول الى اقتصاد ريعي تسيطر عليه المصارف والقوى السياسية المسيطرة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لم تقدم السلطة أية سياسة تتيح حياة كريمة للمواطنين ولم تؤمن فرص عمل لعيش محترم للمواطنين، ولا خطة اسكانية تؤمن منزلا امنا وصحيا لهم. ولا رعاية صحية واستشفاء عام وضمان شيخوخة.
اما على الصعيد التربوي، فقد شهدت هذه الفترة انهيار للتعليم العام، وتوسعا للتعليم الخاص المملوك من قوى السلطة ومن المؤسسات الطائفية وغابت التربية الوطنية التي تقوم على اساس المواطنة ليحضر الانتماء الطائفي والمذهبي والمناطقي.
وعلى الصعيد السياسي، فقد شهد لبنان انهيارا بالقوى السياسية الوطنية والعلمانية، في ظل عجز واضح عن صياغة سياسة تطوير لهذه القوى لتناسب تطور البنى الاجتماعية الموجودة.
في الوقت نفسه، شهد البلد نموا للتيارات المذهبية ومزيدا من شد العصب المذهبي، وربط الإنسان بزعامة الطائفة او المذهب بشتى مجالات الحياة. ولم تستطع التحركات منذ عام ٢٠٠٦ وحتى انتفاضة ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ من النجاح بوقف الانقسام العامودي في المجتمع ومن بناء نظام مصلحة عامة لجميع المواطنين على الرغم من الشعارات الجذرية التي طرحتها الانتفاضة لكنها لم تتحول إلى برنامج سياسي للتغيير.
وعلى صعيد المشاركة الشعبية، فان قوى السلطة وفي اتجاهاتها المختلفة، نجحت في منع الجمهور من المشاركة والمساءلة والمحاسبة للسياسات العامة وللخطط التنفيذية تحت حجج وتبريرات تقوم على تخوين الآخر المختلف.
وخلال هذه الفترة، شهد مجلس النواب محاولات لسن قوانين جديدة، ومحاولات لتعديل قوانين اخرى لمصلحة الجمهور لكن معظمها باء بالفشل، ولم يستطع بعض النواب من مساءلة ومحاسبة السلطات التنفيذية، لأن الحكومات المتتالية هي تعبير عن الكتل النيابية المختلفة، واذا وجدت قوى معارضة داخل السلطة فان معارضتها تقتصر على محاولة إزاحة الشريك الخصم والحلول مكانه.
في هذه الظروف تاتي الانتخابات النيابية، وهي مناسبة مهمة جدا للمعارضة الجدية والتغييرية، لكنها ليست هدفا لانجاح عدد من النواب، واذا حصل، فان ذلك مكسب يجب الحفاظ عليه، لكنها وسيلة ومناسبة للاعلان عن عجز النظام الطائفي عن تقديم حلول، وهي مناسبة لتحديد الدور الذي يجب ان يقوم به النائب، بمشاركة الناس، من اقتراح القوانين وتعديل ما هو موجود والتي تسمح بصياغة سياسات وخطط ترفع من مستوى حياة المواطنين، كما تفسح المجال امام النواب لمساءلة السلطات التنفيذية والاستقواء بالمواطنين من اجل ذلك، انها فرصة لبناء كتلة شعبية تنتمي للوطن وخارج الاطر الطائفية والمذهبية وبهوية لبنانية وطنية جامعة.
فهل تتفق اطراف لبنانية معارضة على هذه النظرة وتتصرف على ان الانتخابات وسيلة لإخراج الناس من الموقع المذهبي الى الموقع الوطني، ام تبقى أسيرة البحث عن حصة هنا أو حصة هناك من دون المساس بالنظام الطائفي وطغمته الحاكمة؟
وفيق الهواري
اكتشاف المزيد من 10 لبنـــان
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.