
(مات بحر السنة الزخار وسيفها البتار وحرس حدودها المغوار)
إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نزل خبر موت أبي إسحق الحويني كالصاعقة على القلب، نحتسبك عند الله الذي دعوت له ونافحت عن دينه وحبّبت الخلق به وذبيت عن السنة ونافحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملت لواء الدفاع عن الصحابة وخلفت إرثا ينوء الجحافل بحمله، وبقيت ثابتا في الذب عن حمى الشريعة، حلو المنطق عذب اللسان، ما سمعك أحد ولا رآك إلا أحبك، كم لك من فضل علي، وكم علمتني وقت أن لم يكن هناك فضائيات وكنت أحرص على شراء أشرطتك وكتبك وكان بضعة مشايخ في البلد يعرفونك، فزرعت فينا نفسية المجاهد الذي ينازل الأعداء فيحمي بيضة الاسلام، ستلقى الله بما لم يخطر لك على بال إن شاء الله، وستجد ما يسرك، فقد خلعت نياشينك وأنت أجدر بحملها مجتمعة، لكن تأهبك للرحيل وحبك للقاء الله الجليل أورثك الضعة من نفسك في جنب الله، طبت حيا وميتا، يا من ربيتنا على ليلة في بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وكم آزرتنا وقت إصدارك شريط صب العذاب على من سب الأصحاب، وكم علمتنا من أدبك بلقائك الإمام الألباني، إحدى وعشرون شريطا غنيمة خالدة في أدب الطالب مع شيخه، وكم أبحرت في شرح الأحاديث الطوال وكانت اختصاصك ورياضك التي تنثر فيها رياحينك، وكم بكيت وأبكيت في حديثك عن مقتل عمر رضي الله عنه، وكم زرعت العزة وأنت تشرح اسم الله العزيز وأنت تشرح سورة القصص، وإن قيل من محامي أبو هريرة رضي الله عنه؟! قلنا هو أبوإسحق الحويني في الطليعة، وإن قيل كيف نتعلم حب النبي عليه الصلاة والسلام؟! فالجواب هو سماع إرثك الذي لا تتكلف فيه، ويخرج من فيك كالسيل الجرار يتدفق بنبض الحب، لقد كانت أشرطتك أنيسي في مضجعي وسيارتي فقد جمعت منها مئات وفوق الألف، وسمعتها وطبعت في قلبي، أنت الذي لما خرجت على الفضائيات أدخلت الدعوة السلفية إلى بيوت المسلمين، وصرنا نفتخر بسلفيتنا بعد أن كنا نخاف من إظهارها، لقد كان ظهورك فتحا، لقد أحزنني موتك كثيرا ولكن عزائي أنّ لك عند ربك ما هو خير لك، نحتسبك والله حسيبك، الكلام عنك كثير وحقك علينا كبير، وحسرة في قلبي لن تنقطع أنني لم أرك، لكن لعل الله يجمعنا في الفردوس الأعلى، ويحصل لنا شرف زيارتك في أوسط الجنة رغم تفاوت المنازل، وأحسب أنك ستكون بمنزلة عظيمة من النبي عليه الصلاة والسلام يا من ذببت عن عرضه وسنته وصحابته، لله درك وعلى الله أجرك، وآجرنا الله في مصابنا وأخلفنا خيرا منه، ونفسي تقول من يكون خير من أبي إسحق بعده؟! ولا جرم! فقد قالتها أم سلمة رضي الله عنها فأبدلها الله برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله كريم أن يبدلنا من غرسِ الشيخ وغرزه من يسبقه أو يُدانيه، فالله حافظ دينه وناصره، رحمك الله يا شيخي وأبي وقرة عيني، يا من خُسف بقلبي لخبر موته، ولكن حسبنا الله وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، عزائي لأبنائه حاتم الحويني وإخوته وأقرانه ومشايخه وتلامذته، بل عزائي للأمة كلها فقد أصابتها ثلمة كبيرة، والحمدلله على كل حال.. محبك الصغير من طرابلس الشام في ليل السابع عشر من رمضان 1446 هـ كتبه مصباح بن نزيه الحنون عفا الله عنه.