جاري التحميل الآن
×

بيان لحزب التحرير

بيان لحزب التحرير

بسم الله الرحمن الرحيم

بيانٌ إلى الرأي العام في لبنان
الإفلاس الفكري في اجتراح الحل للأزمة الاقتصادية

أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في كلمـةٍ – عقب التوقيع مع وزير المالية غازي وزني، يوم الجمعة ٢٠٢٠/٥/١م – “بدأنا بالخطوة الأولى نحو ورشة إنقاذ لبنان من الهوة المالية التي يصعب الخروج منها دون مساعدةٍ فاعلـةٍ ومؤثرةٍ – موقع الجزيرة نت ٢٠٢٠/٥/٢م” وذلك في معرض تعليقه على توقيع الحكومة اللبنانية طلبًا رسميًّا، للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، معربًا – وبحسب الخبر نفسه – عن “أمله في أن يشكل طلب المساعدة من صندوق النقد، نقطة تحول في المسار الانحداري للواقع المالي والاقتصادي”.

سياسةٌ اقتصاديةٌ خرقاء، اعتُمدت في لبنان بعد انتهاء الحرب اللبنانية وعودة الدولة، سياسةٌ تقوم على نظرةٍ استسلاميـةٍ، وهي الإقرار المسبق أنَّ الميزان التجاري في عجزٍ دائمٍ، وأنَّ هذه الخسارة تعوض – بصورةٍ مستمرةٍ – بثنائية “الزقوم والحميم”؛ الأولى بالاستدانة من الخارج بالربا، والثانية باستجلاب الودائع الداخلية والخارجية، من خلال الإغراءات الربوية.

فالأولى، تحقن النظام المالي بحقنـةٍ مخدرةٍ من الدَّين الخارجي “باريس ١ و٢ و٣، ثم سيدار…”، (تنعش) الاقتصاد المدمن بجرعـةٍ نقديـةٍ حينًا من الوقت، حتى يذهب مفعولها مع كل استنفادٍ جديدٍ للمخزون من العملة الصعبة، وهكذا يدخل الاقتصاد في دوامة إطفاء الشعلة بالوقود، ثم إلقاء الشعلة على الوقود!

والثانية، قتلت الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، لأن العوائد الربوية (الفائدة) المرتفعة، جعلت من أصحاب المال لا يستثمرون في إنتاج سلعٍ تكفي السوق المحلية، وتقوي منطقة الليرة، ولا بسلعٍ فائضـةٍ تُصَدَّر لتجلب العملة الصعبة إلى البلد!

واليوم تزيد الدولة ثالثةً، لتكون ثالثة الأثافي، تعامل ٌمع صندوق النقد الدولي، الذي يحاول ساسة لبنان تصويره على أنه المنقذ، وكأن صندوق النقد الدولي جمعيةٌ خيريةٌ، ستنفق من أموال الدول الكبرى – على لبنان – عطاءاتٍ بلا مقابلٍ أو شروطٍ أو تبعاتٍ!!!

فبالرغم من صيته السيء عبر العقود التي مضت، وبالرغم من إخفاقه في إنقاذ أي دولـةٍ في السابق، أبت الدولة اللبنانية إلا الذهاب إلى صندوق النقد الدولي، لاستدانة مبلغ ١٥ مليار دولار، ليكون لزامًا عليها تطبيق القوانين التي ينص عليها صندوق النقد، ومنها وقف دعم الدولة للمواد الأولية، وزيادة الضرائب على الناس، وتعويم الليرة اللبنانية، أو وقف سياسة تثبيت سعر الصرف، ما يؤدي إلى خسارة الليرة من قيمتها بنسبة تفوق الـ٥٧٪، حسب الورقة المالية التي صادقت عليها الحكومة…

وكل هذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى تفاقم الفقر بين عامة الناس، الفقر الذي صارت معالمه واضحةً، إذ صعد الدولار الأمريكي مقابل الليرة ليصل إلى نحو ٤٤٠٠ ليرة للدولار الواحد، ثم عاد وهبط الى ٣٥٥٠ بعد أن كان الدولار قبل ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ يوازي ١٥٠٨ ليرات للدولار الواحد؛ هبوطٌ أدى إلى خسارة الناس لقيمة أجرتهم الشهرية ومعاشاتهم التقاعدية.

لقد بات سير السلطة المخفقة واضحًا! لكن، ماذا بعد؟ وهل ستبقى الحلول المعروضة من الناس وحَراكهم، تدور في الدائرة نفسها المغلقة المبنية على النظام والمنظومة نفسيهما؟

لقد تكرس – بعد حَراك ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ – إدراك حقائق مهمةٍ عند الناس؛ مفادها، أنَّ لبنان بلدٌ منهوبٌ من الطبقة السياسية، مهدورةٌ ثرواته بسبب الفاسدين، مفلسٌ أو يكاد…
وهذه خطوةٌ إلى الأمام في النظرة إلى الدولة، ورفض وجوهها التقليدية التي ورثها لبنان من آثار الحرب…

لكن، ما زال الناس وكأنهم لم يدركوا، بعدُ، أن ما هم فيه ليس فقط بسبب الإفلاس المادي، بل بسبب الإفلاس الأكبر، الذي يؤدي إلى ما هم فيه من ضنك العيش، إنه الإفلاس الفكري، الذي يجعل الطبقة السياسية في لبنان، سواءٌ سلطة الأمس، أو سلطة اليوم، تجتر المقاربات ذاتها، التي على صخرتها ذُبح الاقتصاد في لبنان من الوريد إلى الوريد، مقارباتٌ اقتصاديةٌ أدت – على مر السنين – إلى هدر المال العام، ومعه أموال الودائع، وجعلت الدَّين صخرةً تجثم على كاهل الدولة والناس، دون أي بارقة أملٍ أو ضوءٍ في آخر هذا النفق المظلم!

لذا، كانت عقلية هذه الحكومة، المسماة حكومة التكنوقراط، لا تتفتق إلا (بحلٍّ) شبيهٍ بالقديم، وما كل ذلك التخبط، وتكرار الذات، واجترار المقاربات، إلا بسبب الضلال عن الحل الجذري من خارج بيئة المنظومات القائمة، المنظومات التي فضحتها أزمة كورونا، فاهتزت على كل المستويات.

هذا الحل الجذري هو الحل الرباني، الحل الذي يُحرم التعامل بالربا على كل المستويات الفردية أو الحكومية أو الدولية *{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}*، *{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}*،

وفي الوقت ذاته يجعل المال دائرًا بين كل الناس، وليس بين الأغنياء منهم {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}،

ويُحرم الكنز {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}،

ويفرض إخراج صدقات الأموال من جيوب من ملكوا النصاب الشرعي، إلى جيوب المحتاجين {إِنَّمـَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،

كما يوزع الأراضي الشاسعة مجاناً، على من يريد أن يستثمر هذه الأراضي في الزراعة أو الصناعة، فيزيد الإنتاج ويفيض ويعود على أهل البلد بالخيرات الوافرة، فقد خطب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – على المنبر قائلًا: (من أحيا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لمحتجرٍ حقٌّ بعد ثلاث سنين)، وقد قاله عمر وعمل به على مرأىً ومسمعٍ من الصحابة – رضي الله عنهم – ولم ينكروا عليه، فكان إجماعًا.

إن لبنان بلدٌ غنيٌ بطبيعته وموارده وموقعه، وبكوادره المحترفة، ولكنه بحاجة إلى فلسفـةٍ حقيقيـةٍ، تنتشل العقول قبل انتشال الاقتصاد؛ ولا يمكن أن يكون ذلك إلا من خلال الحل الرباني، أي الإسلام ومعالجاته.

وإننا، في هذا البيان للرأي العام في لبنان، إنما أردنا تسليط الضوء، ولو بشكلٍ موجزٍ، على إفلاس جميع الحلول والمعالجات البشرية، التي تعيد الحكومات المتعاقبة في لبنان تدويرها واجترارها، كما أردنا شد النظر إلى المبدأ الرباني الذي سيسود العالم قريبًا بإذن الله؛

فحزب التحرير يعمل جادًّا مجدًّا لإيجاد دولـةٍ واحدةٍ، خلافـةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، تحت راية خليفةٍ واحدٍ، يكون لبنان جزءًا أصيلًا منها كما كان سابقًا، تطبق فيها أحكام الله عز وجل، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ليعيش رعايا الدولة، من مسلمين وغير مسلمين، في سعـةٍ ورغدٍ من العيش، كفلهما الله سبحانه لمن هم في ظل أحكامه {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

الثاني عشر من رمضان ١٤٤هجرية
الموافق لـ ٢٠٢٠/٥/٥م

حــزب التحــرير
ولاية لبنان

Share this content:

إرسال التعليق